للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا الباب ما ورد عن قوم فرعون أنهم {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}، فقد سحروا الأعين فقط، وذلك بما يفعلونه من الحِيَل، ويجعلون في العِصِيّ التي معهم ما يحرّكها، ويجعلها كأنها حيّة، وهي ليست كذلك، كما قال تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}، حيث حشوَّها بشيء من الزِّئْبق، الذي يتمدد مع حرارة الشمس فيظهر للرائي أن الحبال صارت حيَّات تتحرك.

قال ابن حجر:

وقوله {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}، (طه: ٦٦) عمدة من زعم أن السحر إنما هو تخييل! ولا حجة له بها؛ لأن هذه وردت في قصة سحرة فرعون، وكان سحرهم كذلك، ولا يلزم منه أن جميع أنواع السحر تخييل. (١)

٢ - الفائدة الثانية:

هل يقع بالسحر انقلاب عين أو لا؟

لا شك أن السحر يؤثر بلا شك وله حقيقة، كما سبق بيان أدلة ذلك، لكنه لا يؤثر بقلب الأعيان إلى أعيان أخرى; لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله عزوجل، وإنما يخيَّل إلى المسحور أن هذا الشيء انقلب وهذا الشيء تحرك أو مشى وما أشبه ذلك، كما جرى لموسى- عليه السلام - أمام سحرة فرعون، حيث كان يخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

وأما قلب الأعيان إلى ما ليس في طبعها الانقلاب إليه، كمصير الخشب حيواناً حساساً متحركاً بالإرادة، يبلع عصِّياً وحبالًا ولا يتغير، فليس هذا من جنس مقدور البشر، لا معتاداً ولا نادراً، ولا يحصل بقوى نفس أصلاً؛ ولهذا لما رأى سحرة فرعون ذلك، علموا أنه خارج عن طريقة السحر {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}. (٢)

قال القرطبي:

والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيراً في القلوب، كالحب


(١) وانظر فتح الباري (١٠/ ٣١٧) أنوار البروق في أنواء الفروق (٣/ ١٢٩٩)
(٢) الصفدية (١/ ١٣٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>