للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ ". (١)

قال ابن القيم:

قد دل قوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} وحديث عائشة المذكور على تأثير السحر، وأن له حقيقة، وقد أنكر ذلك طائفة من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، وقالوا إنه لا تأثير للسحر البتة لا في مرض ولا قتل ولا حل ولا عقد، قالوا وإنما ذلك تخيُّل لأعين الناظرين لا حقيقة له سوى ذلك.

وهذا خلاف ما تواترت به الآثار عن الصحابة والسلف واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث وأرباب القلوب من أهل التصوف، وما يعرفه عامة العقلاء، والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً وحلاً وعقداً وحباً وبغضاً وتزييناً، وغير ذلك من الآثار موجود تعرفه عامة الناس، وكثير منهم قد علمه ذوقاً بما أصيب به منه. (٢)

* أما استدلال المخالف بقوله تَعَالَى: " يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى وقوله تعالى: "سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ"

فيقال:

إن السحر التخييلى قسم من أقسام السحر، وهو خيال وشعوذة، وهو ما يسمّى بالقُمْرة، فالساحر يخيِّل للناس شيئاً وهو ليس حقيقة، كأن يخيِّل للناس أنه دخل في النار، أو مشى على حبل، وليس الأمر كذلك، أو يخيِّل للناس أنه يطعن نفسه بالسلاح ولا يؤثِّر فيه، وليس كذلك، والحقيقة أنه عمل شيئاً من التخييل فأثر به على الأبصار.

فإن سحر التخيلات والأخذ بالعيون مبني على أن القوة الباصرة قد ترى الشئ على خلاف ما هو عليه في الحقيقة لبعض الأسباب العارضة.

ولأجل هذا كانت أغلاط البصر كثيرة، ألا ترى أن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة، والشط متحركاً.


(١) أخرجه اللالكائي في "شرح الأصول" (١٤٦٠) والبيهقي في "الاعتقاد " (ص/٣٠٩)، وأصل الحديث عند البخاري (٣٦٣٦)، وانظر تغليق التعليق (٤/ ٨٨) والصحيح المسند من أقوال الصحابة (١/ ٢٨٥)
(٢) بدائع الفوائد (٣/ ٢٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>