للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب عن أصول الشبهات التي استدل بها نفاة الشفاعة:

١ - أولاً: الشبهة الأولى:

ركنوا إلى جملة من الآيات التي أفادت نفي الشفاعة عن الكافرين، فأنزلوها على عصاة المسلمين من أصحاب الكبائر، كما روى البخاري عن ابْنُ عُمَرَ-رضي الله عنه- أنه كان يَرَاهُم شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ، وَقَالَ عنهم:

«إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ». (١)

كقوله تعالى: {واتقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: ٤٨]. (٢)

وقوله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: ٤٨]، وقوله تعالى: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ) [الشعراء: ١٠٠]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: ٢٥٤]

* والرد أن يقال:

إنّ مقتضَى الفقه في الدين، واتباع سبيل المؤمنين هو الأخذ بمجموع ما وردَ في الكتاب والسنة، وعدم اجتزاء نصوصهما، وعدم الأخذ ببعض الكتاب والإعراض عن بعض؛ فإنّ ذلك دليلُ هَوى، ومَسْلَكُ زَيغ.

فجميع ما استدل به نفاة الشفاعة من الآيات هي ليست أصلاً في محل النزاع.

قال الإمام أبو بكر الآجري:

"إنّ المكذّب بالشفاعة أخطأ في تأويله خطأً فاحشًاً، خرجَ به عن الكتاب والسنة؛ وذلك أنه عمدَ إلى آيات من القرآن نزلت في أهل الكفر، أخبر الله -عز وجل- أنهم إذا دخلوا النار فهم غير خارجين منها، فجعلَها المكذِّب بالشفاعة: في الموحِّدينَ، ولم يلتفت إلى أن أخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إثبات الشفاعة إنما هي


(١) ذكره البخاري معلقاً في باب " قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم"، وقال ابن حجر:
"وصله الطبري في مسند علي من تهذيب الآثار، وسنده صحيح". وانظر فتح الباري (١٢/ ٤٠١) والوعد الأخروي (٢/ ٥٨٠)
(٢) قال الزمخشري مستدلّاً بهذه الآية على نفي الشفاعة: "فإنْ قلتَ: هل فيه دليلٌ على أنّ الشفاعة لا تُقبلُ للعُصاة؟ قلتُ: نَعَمْ؛ لأنه نَفَى أن تَقضيَ نفسٌ عن نفسٍ حقّاً أخلّت به مِن فعلٍ أو تركٍ، ثُمَّ نَفَى أنْ يُقبلَ منها شفاعةُ شَفيعٍ؛ فعُلِمَ أنّها لا تُقبلُ للعُصاة". وانظر الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>