للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (الجاثية: ٢١).

قال ابن القيم:

فدل على أن هذا حكم سيء قبيح ينزه الله عنه، ولم ينكره سبحانه من جهة أنه أخبر بأنه لا يكون، وإنما أنكره من جهة قبحه في نفسه، وإنه حكم سيء يتعالى ويتنزه عنه لمنافاته لحكمته وغناه وكماله، ووقوع أفعاله كلها على السداد والصواب والحكمة، فلا يليق به أن يجعل البَر كالفاجر ولا المحسن كالمسيء ولا المؤمن كالمفسد في الأرض، فدل على أن هذا قبيح في نفسه تعالى الله عن فعله. (١)

ومن قال: إن الأفعال ليس فيها صفات تقتضي الحسن والقبح لذاتها فهو بمنزلة قوله: ليس في الأجسام صفات تقتضي التسخين، والتبريد، والإشباع، والإرواء، فسلب صفات الأعيان المقتضية للآثار كسلب صفات الأفعال المقتضية للآثار. (٢)

-وكذلك يقال:

إن حسن الصدق وقبح الكذب أمر يدركه العقلاء، وهو مركوز في الفطر، والقول بأن الكذب قد يحسن أحياناً كما لو رتب عليه عصمة مسلم من القتل ظلماً غير مسلَّم، فتخلف القبح عن الكذب لفوات شرط، أو لقيام مانع، يقتضي مصلحة راجحة على الصدق، لا تخرجه عن كونه قبيحاً لذاته، ومن ذلك أن الله حرَّم الميتة والدم ولحم الخنزير للمفسدة في تناولها، وهي ناشئة من ذوات هذه المحرَّمات، وتخلُّف التحريم عنها عند الضرورة لا يوجب أن تكون ذاتها غير مقتضية للمفسدة التي حرِّمت لأجلها، فهذا الكذب متضمن عصمة المسلم. (٣)

* ومن الفوائد المتعلقة بحديث الباب: الفائدة الثالثة:

قوله صلى الله عليه وسلم: " وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ": هذا أحد أحاديث الوعد التى ركن إليها المرجئة فيما ذهبوا إليه أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، إضافة إلى غير ذلك من الأحاديث التى يفيد ظاهرها هذا المعنى، مثل


(١) المصدر السابق (٢/ ١١)
(٢) منهاج السنة النبوية (٣/ ١٧٨)
(٣) انظر مفتاح دار السعادة (٢/ ٣٦ - ٣٧) ومنهج المتكلمين (١/ ٣٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>