للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين ذاك، فإذا كان هذا دالًا على التباين، فكيف يكون هذا الشيء المبايِن بعضاً من الشيء المبايَن؟!

وكيف يكون سمعه وبصره ويده ورجله؟! فهذا مستحيل.

وأيضا السمع والبصر واليد والرجل بعض من المخلوق ولا يمكن أن يكون بعض المخلوق هو الخالق، فهذا شيء مستحيل. (١)

قال ابن رجب:

من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض، ثم بالنوافل، قربه إليه، ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى، ومحبته، وعظمته، وخوفه، ومهابته، وإجلاله، والأنس به، والشوق إليه، حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة.

فمتى امتلأ القلب بعظمة الله- تعالى- محا ذلك من القلب كل ما سواه، ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه، ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق، نطق بالله، وإن سمع، سمع به، وإن نظر، نظر به.

فهذا هو المراد بقوله: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها)، ومن أشار إلى غير هذا، فإنما يشير إلى الإلحاد من الحلول، أو الاتحاد، والله ورسوله بريئان منه. (٢)

*عودٌ إلى حديث الباب: الفائدة الخامسة:

قوله عزوجل: " وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ "

فهل يوصف الله -تعالى- بصفة التردد؟؟ (٣)


(١) شرح العقيدة السفارينية لابن العثيمين (ص/١٣٠)
(٢) جامع العلوم والحكم (٢/ ٣٤٧)
(٣) وقد أورد النووي حديث الباب هذا في (الأربعين النووية)، ولكن دون قوله تعالى (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن؛ يكره الموت وأنا أكره مساءته)
فلعل اختصاره له هو من باب مراعاة حال السامعين؛ وذلك لكون هذه الأربعين معدة للمبتدئين في طلب= =العلم، وبعض العلم لا يصلح لكل أحد. والله تعالى أعلم. وقد بوَّب البخاري في الصحيح على أثر علي - رضي الله عنه - الموقوف في كتاب العلم بقوله (باب من خص بالعلم قوماً دون قوم، كراهية ألا يفهموا).
وانظر " التوضيح الرشيد في شرح التوحيد " المذيل بالتفنيد لشبهات العنيد، لأبى عبد الله الحقوي (ص/٣٣٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>