للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي:

"ومعنى الكلام: أن الله - تعالى - لو كشف عن خلْقه ما منعهم به من رؤيته في الدنيا لَما أطاقوا رؤيته وَلَهَلَكُوا؛ كما قال الله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: ١٤٣]

ويفيد أنّ تركيبَ الخلق وضعْفَهم في هذه الدار لا يحتمل رؤية الله فيها، فإذا أنشأهم الله- تعالى- للبقاء وقوّاهم حَمَلُوا ذلك". (١)

فالرؤية عند أهل السنة لا تكون في الدنيا ولا في البَرْزخ، وإنما هي يومَ القيامة بقوةٍ يجعلها الله- جلّ وعلا- في أعيُن المؤمنين.

* وأمّا أدلة عدم وقوع رؤية الله- تعالى- بالبصر في الدنيا:

فمن القرآن:

١ - قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: ١٤٣]

فلو كانت رؤيته- سبحانه وتعالى- ممكِنة لَحَصلتْ لِلكَلِيمِ موسى عليه السلام، وهو الذي اصطفاه الله - تعالى- على الناس برسالاته وبكلامه.

* ومن السنة: عن عَبْد اللهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أن رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- حَتَّى يَمُوتَ». (٢)

* والإجماع:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"وقد ثبت بالنصوص الصحيحة واتفاقِ سلف الأمة أنه لا يرى اللهَ أحدٌ في الدنيا بِعَينه". (٣)


(١) المُفْهِمُ (١/ ٤١١).
(٢) أخرجه مسلم (١٦٩).
(٣) مجموع الفتاوى (٦/ ٥١٠). وهذا إجماعٌ نقله أيضًا الدارميُّ وابنُ أبي العز، باستثناء النزاع الذي وقع في رؤية النبي- صلى الله عليه وسلم- لربه ليلةَ المعراج، وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن هذا الخلاف بين الصحابة- رضي الله عنهم- في هذا الباب ليس خلافًا حقيقيًّا، بل هو من باب اختلاف عبارات النقل عنهم، على أنّه لم يصرِّح أحد من الصحابة- رضي الله عنهم- بأنّ رؤية النبي- صلى الله عليه وسلم- لربه ليلة المعراج كانت رؤية بصرية.
وأمّا من صرح بذلك من أهل العلم فهذا بناء منهم على ما فهِموه من أقوال الصحابة- رضي الله عنهم- التي ورد فيها إطلاق الرؤية.
ولمراجعة المسألة بأقوالها انظرْ أحاديثُ يُوهِمُ ظاهرُها التعارُضَ (ص/ ٣٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>