للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيهم، وهو عدمُ الإدراك في أبصارهم" كلام باطل، وفي الحديث الصحيح: «حجابه النور»، وفي الرواية الأخرى: «النارُ»، ومعلوم أن عدم الرؤية لا يسمَّى نورًا ولا نارًا، لا حقيقةً ولا مجازًا". (١)

٤ - الفائدة الرابعة:

قوله صلى الله عليه وسلم: «حِجَابُهُ النُّورُ...»:

وهذا الحجاب الذي هو نور- وفي رواية: نار- هو حجاب بين العباد وربهم، يحول بينهم وبين رؤية الله عز وجل، وأمّا العكسُ فغيرُ مُرادٍ قطعًا؛ فإن الله- تبارك وتعالى- لا يَحجُبه شيء عن رؤية خلقه، ومن المعلوم أنّ بصر الله- تعالى - لا يحجُبه شيء، ولا يُمكن أن يستتر عن بصره شيءٌ، وأمّا هو سبحانه فقد احتجب عن خلقه بالنور وبالكبرياء، وبما شاء من الحُجُب.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حِجَابُهُ النُّورُ- أَو: النَّارُ- لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحاتُ وَجْهِهِ مَا أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»، فهي حُجُب تَحْجُبُ العباد عن الإدراك، وأمّا حجْبها لله عن أن يَرى ويُدرِك فهذا لا يقوله مسلمٌ؛ فإنّ الله لا يخفى عليه مثقالُ ذرّةٍ في الأرض ولا في السماء، وهو يرى دَبيب النملة السوداء على الصخرة الصَّمَّاء في الليلة السوداء، ولكن يَحجُبُ أن تصل أنوارُه إلى مخلوقاته؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:

«لَوْ كَشَفَهَا لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»،

فالبصر يدرك الخلْقَ كلهم، وأمّا السُّبُحات فهي محجوبة بحجابه النُّور

أوالنار". (٢)

٥ - الفائدة الخامسة:

حديث الباب أحد الأدلة على نفْي رؤية الخلق لله- تعالى- في الدنيا حالَ اليَقَظة:

فقوله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ...» قد أظهر العلة من عدم حدوث هذه الرؤية البصَرية في الحياة الدنيا، وهي كونُ البَشَر لا يُطيقون ذلك.


(١) بيان تلبيس الجهمية (٨/ ١٢١).
(٢) مجموع الفتاوى (٦/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>