لذا فإن اتباعهما للتوراة والإنجيل - على زعمهم - يوجب عليهم اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم- والدخول في شريعته.
ثم يقال إن قوله تعالى "وما أنزل إليكم من ربكم"، فهو القرآن الكريم، فهم ليسوا على شئ حتى يقيموا التوراة الصحيحة و الإنجيل الصحيح و القرآن المنزل، وهذا كله لا يمكن بلوغه إلا بالقرآن المصدَّق المهيمن على سائر الكتب.
قال ابن حزم:
وَأما قَول الله عزوجل {يَا أهل الْكتاب لَسْتُم على شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم} فَحق لامرية فِيهِ، وَهَكَذَا نقُول وَلَا سَبِيل لَهُم إِلَى إِقَامَتهَا أبدا لرفع مَا أسقطوا مِنْهَا فليسوا على شَيْء إِلَّا بِالْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فيكونوا حِينَئِذٍ مقيمين للتوراة وَالْإِنْجِيل، كلهم يُؤمنُونَ حِينَئِذٍ بِمَا أنزل الله مِنْهُمَا وُجِد أَو عُدِم، ويكذبون بِمَا بُدِّل فيهمَا مِمَّا لم ينزله الله تَعَالَى فيهمَا وَهَذِه هِيَ إقامتهما حَقًا فلاح صدق قَوْلنَا مُوَافقا لنَصّ الْآيَة بِلَا تَأْوِيل. وأما قوله تعالى {وليحكمْ أهل الْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله فِيهِ} فحق على ظاهره؛ لأن الله -تعالى- أنزل فيه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، واتباع دينه ولا يكونون أبدا حاكمين بما أنزل الله تعالى فيه إلا باتباعهم دين محمد صلى الله عليه وسلم. (١)
*وأما الإيمان بالرسل:
فمن أركان عقيدة المسلم أن تؤمن بالرسل والأنبياء السابقين، قال تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(البقرة/٢٨٥)