للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقصود:

أن حُكمه -عليه الصلاة والسلام- على جميع هذه الفرق أنها في النار إلا واحدة -وهي الفرقة الناجية- لا يراد به التعيين للطوائف، ولا التعيين -مِن بابِ أَوْلى- للأعيان (١).

ضابط الفرق الهالكة، وتعيينها:

هذه الفرق لم يعيّنها الرسول - صلى الله عليه وسلم- بأسمائها؛ وقد اجتهد العلماء في تحديد أصولها وتعيينها (٢)، وتكلموا كذلك في الضابط الذي يَنبني عليه تحديد هذه الفرق المنحرفة عن منهج أهل السنة، فقالوا:

كل فرقة خالفت أهل السنة في أصل من أصول الدين- تخرج بذلك عن أهل السنة والجماعة، وتدخل في هذه الفرق.

قال الشاطبي:

"هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كلّيٍّ في الدين وقاعدةٍ من قواعد الشريعة، لا في جُزئيٍّ من الجزئيات؛ إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شِيَعاً، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية" (٣).

وعلامة هذه الفرق التي بها تُعرف:

أنها تفارق الكتاب والسنة والإجماع بلا تأويل سائغ يتفق مع لغة القرآن وأصول الشريعة، حتى يُعذر به صاحبُه فيما أخطأ فيه.

فهم الذين تستهويهم الظنون الكاذبة والأهواء المُضلة والتأويلات الباطلة، وقد ورد في رواية لحديث الباب أن رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:

«وَسَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ، لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا


(١) شرح حديث الافتراق ليوسف الغفيص (٣/ ٦).
(٢) ونظير ذلك: ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ»، فمحل الاتفاق إنما هو في عدد الأسماء التي لها هذه الميزة (أن من أحصاها دخل الجنة)، وأما محل الاختلاف والاجتهاد فهو في تعيين هذه الأسماء على التفصيل.
(٣) الاعتصام (٢/ ٧١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>