للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا يجب أن يعاتب الكبراء والرؤساء، يعظَّمون في الملأ إبقاءً لحرمتهم، ويُنصحون في الخلاء أداءً لما يجب من نصحهم؛ لأنَّه اتقى ما يكون عن المجاهرة بالإنكار والقيام على الأئمة؛ لعظيم ما يطرأ بسبب ذلك من الفتن والمفاسد، فينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد. (١)

وقد سئل ابن عباس - رضي الله عنهما- عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال:

" إن كنت فاعلًا ولابد، ففيما بينك وبينه ". (٢)

قال ابن القيم:

ومن دقيق الفطنة أنك لا تردَّ على المطاع خطأه بين الملأ، فتحمله رتبته على نصرة الخطأ، وذلك خطأ ثانٍ، ولكن تلطّف في إعلامه به، حيث لا يشعر به غيره. (٣)

قال هارون الرشيد: يا أصمعي، وقرّنا في الملإ، وعلمنا في الخلاء. (٤)

*إنها وسطية الأمة مع الأئمة:

فترى الخوارج والمعتزلة قد جعلوا نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلاً عندهم تجويز الخروج على أئمة الجور، وهو الأصل الخامس من أصول المعتزلة: الذي هو: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، والذي يتضمن الخروج بالسيف على أئمة الجور.

- وعلى الجانب الآخر:

ترى المرجئة يقولون بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأئمة بكل حال؛ وذلك درءاً للمفاسد، ويدخل معهم الرافضة، الذين يقدِّسون الأئمة، ويجعلونهم ممن لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم، ولا من خلفهم.

وأما أهل السنة فيعملون بأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الضوابط


(١) وانظر المفهم (٦/ ٦٢٠) والسيل الجرار (ص/٦٩٥)
(٢) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٣٧٣٠٧)، والبيهقي في "الشعب " (٧١٨٦). سنده حسن لذاته.
(٣) الطرق الحكمية (ص/٣٨)
(٤) تاريخ بغداد (١٦/ ٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>