للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - أن الأمر بالصبر على جور الأئمة ليس خنوعاً ولا استكانة، حتى ننزِّه الشرع عن الأمر بالصبر على ذلك كما يقول ابن حزم، بل هى الحكمة الموافقة لأصول الشرع؛ وذلك بتحمل أدنى المفسدتين لدرء أكبرهما.

* إشكال وجوابه:

قالوا: السمع والطاعة لا يكونان إلا لولي الأمر الذي يقوم على حفظ الدين، وسياسة الدنيا بالدين؛ فهذا هو ولي الأمر الذي تجب طاعته وتنعقد بيعته، وذلك لما ورد في حديث الباب من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:

" إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ".

ووجه الدلالة:

بمفهوم المخالفة أن الذي لا يقود بالكتاب والسنة لا حق له في السمع والطاعة، بل يُخرج على أئمة الجور، ويُعزلون ولو بالسيف.

* والرد على ذلك أن يقال:

أن القول بالخروج على الحاكم الجائر هو في الحقيقة مذهب المعتزلة والخوارج.

يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي:

"فأما الأحداث التي يخرج بها من كونه إماماً فظهور الفسق سواء بلغ حد الكفر أو لم يبلغ؛ لأن ذلك يقدح في عدالته" وقال: "... لا فرق بين الفسق بالتأويل، وبين الفسق بأفعال الجوارح في هذا الباب عند مشايخنا ". (١)

* نقول:

وأما القيد المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم:

" يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، .. "، ليس قيداً فيما تنعقد به صحة الإمامة، إنما هو بيان لما يجب أن يكون عليه الإمام في سياسته للرعية، وما سوى ذلك حالتان:

الأولى:

١ - أن يقع الحاكم في كفر بواح، بغير تأويل سائغ، فتنقض به إمامته، كما في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" أَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ". (٢)


(١) المغني في أبواب التوحيد والعدل (٢٠/ ١٦٣) فصل: " فيما يخرج به الإمام أن يكون إماماً "
(٢) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>