للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١)} (المؤمنون: ٧١)

فأخبر سبحانه أن الحق لو اتبع أهواء العباد فجاء شرع الله-تعالى- ودينه بأهوائهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهنَّ، ومعلوم أنَّ عند النفاة يجوز أن يرد شرع الله ودينه بأهواء العباد، وأنه لا فرق في نفس الأمر بين ما ورد به وبين ما تقتضيه أهوائهم إلا مجرد الأمر، وإنه لو ورد بأهوائهم جاز وكان تعبداً وديناً، وهذه مخالفة صريحة للقرآن، وإنه من المحال أن يتبع الحق أهوائهم، وأن أهوائهم مشتملة على قبح عظيم لو ورد الشرع به لفسد العالم أعلاه وأسفله وما بين ذلك.

ومعلوم أن هذا الفساد إنما يكون لقبح خلاف ما شرعه الله وأمر به ومنافاته لصلاح العالم عُلْوِيَّهُ وسفليه، وإن خراب العالم وفساده لازم لحصوله ولشرعه، وأن كمال حكمة الله وكمال علمه ورحمته وربوبيته يأبى ذلك ويمنع منه، ومن يقول الجميع في نفس الأمر سواء يجوز ورود التعبد بكل شيء سواء كان من مقتضى أهوائهم أو خلافها. (١)

٢ - وأما مخالفتهم لصريح المعقول فيما ذهبوا إليه من نفي الحسن والقبح الذاتي للأفعال،:

فيقال: إذا كان العقل ليس له مدخل في معرفة حسن الأفعال وقبحها، فإن ذلك يستلزم أن تكون الأفعال الحسنة والقبيحة في حقه متساوية، كالصدق والكذب والعدل والظلم والكرم والبخل والبر والفجور، وحكم الضدين بهذه العبارة يكون باطلاً لا يقول به من له أدنى مسكة من علم وإيمان وعقل

قال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (ص: ٢٨:)

وقال جل من قائل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا


(١) مفتاح دار السعادة (٢/ ١١)

<<  <  ج: ص:  >  >>