للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ا-فأما مخالفته لصحيح المنقول:

ففي القران آيات كثيرة تدل على أن الحسن والقبح ثابت للأشياء في ذاتها،

قال تعالى: {.. يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ...} (سورة الأعراف: ١٥٧)

ووجه الدلالة:

الآية صريحة في ن العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها، فالمعروف الذي يأمر به الله -تعالى- ما تعرفه وتقر به العقول السليمة، والفطر المستقيمة، والمنكر الذي نهاهم عنه هو ما تنكره العقول والفطر السليمة، وتقر بقبحه، ولو لم يظهر للأشياء حسن وقبح لذاتها، وإنما كان ذلك من قِبل الشارع، وأن ما أمر به الحسن وما نهى عنه هو القبيح لكان معنى الآية: (يأمرهم بما يأمرهم به، وينهاهم عما ينهاهم عنه) وهذا لا يقوله عاقل، فضلاً عن رب العالمين.

وقوله تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} فيه دلالة على أن الحلال كان طيباً قبل حله، وأن الخبيث كان خبيثاً قبل تحريمه، فلو كان الحلال والخبيث إنما عُرفا بالتحليل والتحريم لكان معنى الآية (يحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم) وهذا لا يليق بنظم كلام الله تعالى.

وقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} (الإسراء: ٣٢)

فدلت الآية على أن الزنى إنما تعلَّق به النهي لكونه قبيحاً وفاحشة، وهذا الوصف ثابت له قبل النهي عنه، ولو لم يكن قبيحاً وفاحشة في نفسه لكان معنى الآية: (ولا تقربوا الزنى فإنه منهي عنه)، وهذا من تعليل الشيء بنفسه وهو باطل. (١)

ويلا حظ أن هذه الأدلة تدخل في الأدلة التي سبقت في ثبات الحكمة والتعليل في أفعاله سبحانه، فنفي الأشاعرة للحكمة والتعليل نتج عنه قولهم بنفي الحسن والقبح العقلي.


(١) انظر منهاج السنة (٣/ ١٧٩) ومفتاح دار السعادة (٢/ ٦ وما بعدها)

<<  <  ج: ص:  >  >>