للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آدم -عليه السلام-، وهو النبي المكلَّم؟!! (١)

* قال ابن عبد البَرِّ:

"أجمع العلماء على أنه غير جائز لأحدٍ أن يجعل القدَر حُجّة إذا أتى ما نهاه الله عنه، فيقول: أتلومني على أن قتلتُ وقد سَبَقَ في علم الله أنْ أَقْتُلَ؟!

فهذا ما لا يسوغ لأحد أن يجعله حجة لنفسه! والأمّة مجتمِعةٌ على أنه جائزٌ لومُ مَن أتى ما يُلام عليه من معاصي ربِّه، كما أنهم مُجمعون على حمْد مَن أطاع ربَّه، وأتى مِن الأمور المحمودة ما يُحمد عليه". (٢)

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"وموسى-عَلَيْهِ السَّلامُ- قال لآدم -عليه السلام-: «لِماذا أَخْرَجْتَنا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟»، فلامَهُ على المصيبة التي حَصَلَتْ بسبب فعله، لا لأجْل كونِها ذَنْباً؛ ولِهذا احتجَّ آدم عليه بالقدر. وأمّا كونُه لأجْل الذنْب كما يَظُنُّه كثيرٌ من الناس فَلَيْسَ بمُرادٍ بالحديث، فإنَّ آدم-عَلَيْهِ السَّلامُ- كان قد تاب من الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولا يجوز لومُ التائب باتّفاقِ الناسِ، ولأن آدم -عليه السلام- احتج بالقدر، وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمينَ وسائر أهل المِلَلِ وسائر العُقلاء". (٣)

** الوجه الثالث:

إنه مما يؤكد أن آدم -عليه السلام- لم يحتج بالقدر على فعله للمعصية:

أن هذا خلافُ ما ذكرَه القرآن، فإن آدم -عليه السلام- قد اعترف بعِصْيانه، فقال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣]، ولم يقل مثلاً: "ربِّ أنتَ قدَّرتَ عليَّ ذلك".

** فلو كان الاحتجاج بالقدر على المعصية جائزاً ونافعاً لَاحتجَّ به آدمُ -عليه السلام- عند


(١) عن أبى أُمامةَ -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله، أنبيّاً كان آدمُ؟
قال: «نعمْ، مُكلَّمٌ»، قال: فكَمْ كانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ نُوحٍ؟ قال: «عَشَرَةُ قُرُونٍ». أخرجه ابن حبان (٦١٩٠)، والطبراني في الكبير (٧٥٤٥)، واللفظ لابن حبان، وسنده صحيح. وانظر السلسلة الصحيحة (٢٦٦٨).
(٢) الاستذكار (٨/ ٢٦٠).
(٣) وانظر مجموع الفتاوى (٨/ ١٧٩)، ورفْع الشُّبهة والغَرَر عمَّن يحتجُّ على فعل المعاصي بالقَدَر (ص/٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>