للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبفهْمِ هاتين الإرادتين يدرك الإنسان أنّ كلّاً من الخير والشر بِيَدِ الله -تعالى-، وهو من تقديره -سبحانه وتعالى-: فالإرادة الشرعية هي المتضمِّنة للمَحَبّة والرِّضا، والإرادة الكونية هي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث.

** فإرادة الله للشيء قد تقتضي محبّتَه له، وقد لا تقتضي ذلك:

قال تعالى {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} [الأنعام: ١٢٥].

فهذا الذي أضله الله -تعالى- لم يكن سبحانه محبً لإضلاله، ولكنه أضله لحكمته السابقة فيه، وأضله على علمه السابق فيه أنه لا يصلح معه إلا هذا الذي قدَّره عليه.

*وتأملْ قول الله تعالى {... وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: ٢٥٣]، فالله - تعالى- لا يحب وقوع الاختلاف والاقتتال، ولكنه شاءه - عز وجل-، وقدَّر وقوعه، فهو سبحانه يفعلُ ما يريد، فلا يقع شيء في هذا الكون إلا بأمره وتقديره. (١)

... فإن سألوا:

فكيف تستقيم الحكمة في تعذيب المكلَّفينَ على ذنوبهم، على القول إنّ الله - تعالى- خلقَها فيهم؛ فأين العدل في تعذيبهم على ما هو فاعلُه وخالقُه فيهم؟ (٢)


(١) وفي المناظرة التي دارت بين الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني والقاضي عبد الجبار المعتزلي
قال عبد الجبار في ابتداء جلوسه للمناظرة سبحان من تنزَّه عن الفحشاء،
فقال الأستاذ مجيباً: " سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء "، فقال عبد الجبار: أفيشاء ربنا أن يعصى؟
فقال الأستاذ أيعصى ربنا قهراً؟
فقال عبد الجبار: أفرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردى أحسن إلي أم أسا؟ فقال الأستاذ: إن كان منعك ما هو لك فقد أسا، وإن منعك ما هو له فيختص برحمته من يشاء. فانقطع عبد الجبار. وانظر طبقات الشافعية الكبرى (٤/ ٢٦٢).
(٢) لذا يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي: قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
يدل على قولنا فى العدل؛ لأنه بين أن هؤلاء الكفار الذين عدلوا عن طريقة الدين فاستحقوا العقاب والهلاك، هم الذين ظلموا أنفسهم، وأنه تعالى إذا عاقبهم لم يكن ظالما لهم، ولو كان الأمر على ما تقوله المجبرة لم يصح أن ينزِّه نفسه عن الظلم، مع أن جميعه من قبله، ولا يصح أن ينفى عن نفسه فعل الظلم، وهو الخالق له، ويضيفه إلى من لم يفعله! وانظر "متشابه القرآن" (ص/٣٦٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>