للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* والقول الراجح -والله أعلم-: أن استراقهم باقٍ بعد بعثة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك رميُهم بالشهب كان واقعاً قبل مبعث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه لم يكن في الشدة مثل ما كان بعد بعثته؛ وهو ما رجحه ابنُ كَثير والقُرطبيّ وغيرهم.

** ومما يدل على ذلك:

١) قوله -تعالى-: {... فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: ٩].

قال ابن كَثير معلقاً على الآية السابقة: "وقد كانت الكواكب يُرمى بها قبلَ ذلك، ولكن ليس بكثير، بل في الأحيان بعد الأحيان". (١)

وقال القُرطُبيّ: "والقول بالرمي أصحُّ؛ لقوله -تعالى-: ­ {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: ٨]. وهذا إخبار عن الجن أنه زِيدَ في حَرس السماء حتى امتلأت منها ومنهم". (٢)

٢) وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ:

أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

«مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، كُنَّا نَقُولُ: وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْراً سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟

فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ...». قَالَ: «فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضاً، حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ، فَيَقْذِفُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ، وَيُرْمَوْنَ بِهِ، فَمَا جَاءُوا


(١) تفسير القرآن العظيم (٨/ ٢٤١).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (١٩/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>