للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السببية: يعني: أن دخلوكم للجنة بسبب ما كنتم تعملون.

فيكون دخول الجنة برحمة الله تعالى، ولكن للفوز برحمة الله -تعالى- سبب رئيس ألا

وهو العمل الصالح، فمن جاء بالسبب نال الرحمة، ومن لم يأتِ بالسبب لم ينل الرحمة، وبذلك تتفق النصوص ولا تختلف.

-قال ابن القيم:

توارد النفي والإثبات ليس على معنى واحد، فالمنفيّ استحقاقها بمجرد الأعمال، وكون الأعمال ثمناً وعوضاً لها، رداً على القدرية، والمعنى الذي أثبت به دخول الجنة في قوله (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فهذه باء السببية. (١)

** ومن الرد على الجَبريَّة أيضاً:

قوله تعالى {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: ١٥٢]، وقوله تعالى {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٧٢]، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»

والأدلة كثيرة على أن فعل العبد صادرٌ باختياره، لكن هذا الاختيار تابع لمشيئة الله تعالى؛ لقوله -تعالى-: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠].

... أمّا الدليل الواقعي:

فإنّ كل إنسان يفعل الأفعال وهو لا يشعُر أنّ أحداً يُجبره عليها، فيحضر إلى الدرس باختياره، ويغيب عن الدرس باختياره؛ ولهذا إذا وقعَ الفعل من غير اختيار لم يُنسَبْ إلى العبد، بل يُرفع عنه إثْمُه أو ثوابه.

* الثالثة:

احتجاجهم بالقدر على المعاصي:


(١) التفسير القيِّم (ص/٩٣). وقال رحمه الله:
"أخبر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن دخول الجنة ليس في مقابلة عملِ أحدٍ، وأنه لولا تغمُّدُ اللهِ -سبحانه- لِعبده برحمتِه لَمّا أدخله الجنة، فليس عملُا للعبد -وإن تَناهَى- موجِباً -بمجرَّده- لدخول الجنة، ولا عِوَضاً لها؛ فإنّ أعماله -وإن وقعت منه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه- فهي لا تُقاوِم نعمةَ الله التي أنعم بها عليه في دار الدنيا، ولا تُعادِلُها، بل لو حاسَبَه لَوقعتْ كلُّها في مقابَلة اليسير من نعمه، وتَبقى بقيّة النعم مقتضيةً لشُكرها، فلو عذَّبَه في هذه الحالة لعذّبَه وهو غير ظالمٍ، ولو رَحِمه لكانت رحمتُه خيراً من عمله". مفتاح دار السعادة (ص/ ١٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>