للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وسبيل الجمع أن يقال:

١ - أما عبارات إثبات الحد عند السلف فجاءت رداً على الجهمية الذين قالوا ما مضمونه أن الخالقَ لا يتميّز عن الخلقِ، فليس له حدٌّ يباين المخلوقات، فبيَّن أهل السنة أنّ الله -سبحانه وتعالى - له حد، والمعنى أنه مباين لخلقه، منفصلٌ عنهم، ليس حالّاً فيهم، ولا متحداً معهم.

قال الدارمي:

فمن ادَّعى أنه ليس لله -تعالى- حد فقد رد القرآن، وادَّعى أنه لا شيء؛ لأن الله -تعالى- حدَّ مكانه في مواضع كثيرة من كتابه فقال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥]، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦]، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠]. (١)

٢ - وأما عبارات السلف في نفي الحد عن الله -تعالى- فمحمولة على وجوه:

١ - الوجه الأول:

نفي إدراك العباد لعلمه وصفات كماله عزوجل، وذلك نظير قوله تعالى (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) (البقرة: ٢٥٥)، وقوله تعالى (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)) (الأنعام: ١٠٣)، فصار نفي الحد عن الله -تعالى- هو نفي الإحاطة بالله علماً وإدراكاً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

فهذا الكلام من الإمام أبي عبد الله أحمد -رحمه الله- يبين أنه نفى أن العباد يحدُّون الله -تعالى- أو صفاته بحد أو يُقدِّرون ذلك بقدر أو أن يبلغوا إلى أن يصفوا ذلك، وذلك لا ينافي ما تقدَّم من إثبات أنه في نفسه له حد يعلمه هو لا يعلمه غيره، أو أنه هو يصف نفسه، وهكذا كلام سائر أئمة السلف يثبتون الحقائق وينفون علم العباد بكنهها. (٢)

قال ابن القيم:

أراد أحمد بنفي الصفة نفي الكيفية والتشبيه، وبنفي الحد نفي حد


(١) نقض الدارمي على المريسيص/٥٧)
(٢) بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٦٢٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>