للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*وكذلك فمما أورده نفاة حقيقة الميزان:

تحريف قول النبي صلى الله عليه وسلم: " وَبِيَدِهِ المِيزَانُ، يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ "، فقالوا:

إنما أراد بذلك الإشارة إلى العدل والفضل، وأنه إذا بسط نعمه وفضله لم ينقص مما في يديه شيء بأنْ يعجزه، وإذا أعدل بحق ملكه لهم فيهم خفض ورفع وبسط وقبض.

وقالوا عن قوله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) (الحديد: ٢٥):

فالميزان هو العدل بين العباد الذي أرسل الله -تعالى- به الرسل، وهل سمعتم أحداً من الرسل أرسله تاجراً ممسكاً للميزان؟! (١)

* الرد على نفاة إثبات الميزان:

لا شك أن ما تأوَّله النفاة للنصوص الواردة في الميزان بأنه العدل هو تأويل منبوذ فاسد، ومخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة.

فالذي عليه أهل السنة والجماعة أن الميزان هو ميزان حقيقي حسي، وله كفَّتان حسيِّتان، ويدل على ذلك ما يلي:

١ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو-رضى الله عنه- أن النبيَ -صلى الله عليه وسلم- قال:

" إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحاً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ:

آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ: آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ؛ فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ


(١) وانظر" مشكل الحديث وبيانه" (ص/٤٣٧) وأصول الدين (ص/٢٤٥) والأصول العشرة عند الإباضية (ص/٢٠٨)
*تنبيه:
ومن التجوّز هنا نسبة نفي الميزان إلى المعتزلة بإطلاق، كما فعله الإيجي في المواقف (ص/٣٨٤) ومرعي الحنبلي في " تحقيق البرهان في إثبات حقيقة الميزان" (ص/٢٤)؛ فقد ذكر القاضي عبد الجبار في " تنزيه القرآن عن المطاعن " (ص/٤٧٩) الخلاف في ذلك عند المعتزلة عند تفسيره لسورة "الأنبياء"، ثم رجَّح هو القول بالميزان في تفسيره لسورة "القارعة"، وكذلك قال به الخوارزمي، وقال: "قد قال به أصحابنا".
وانظر "العقود الذهبية" (٢/ ٥٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>