للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال- رضي الله عنهما-:

"أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ- عليه السلام-، وَالْكَلَامُ لِمُوسَى- عليه السلام-، وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم-؟ ". (١)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"وأمّا الرؤية فالذي ثبتَ في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين"، وعائشة أنكرت الرؤية؛ فمن الناس من جمعَ بينهما، فقال: عائشة أنكرت رؤية العين، وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد.

والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هي مطلَقة ومقيَّدة بالفؤاد؛ تارةً يقول: "رأى محمد ربه وتارة يقول: "رآه محمد".

ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه.

وكذلك الإمام أحمد تارةً يُطْلِق الرؤية، وتارة يقول: رآه بفؤاده، ولم يقل أحد:

إنه سمع أحمد يقول: رآه بعينه؛ لكنّ طائفة من أصحابه سمعوا بعض كلامه المطلَق ففهِموا منه رؤية العين، كما سمع بعضُ الناس مطلق كلام ابن عباس ففهِم منه رؤية العين.

وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبتَ ذلك عن أحد من الصحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدلّ على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدلُّ؛ كما في صحيح مسلم عن أبي ذرٍّ- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال:

«نورٌ، أنَّى أراهُ»، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَرَاهُ نَفْسَهُ بِعَيْنِهِ لَكَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ قوله:

{أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى}، وقوله تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، وَلَوْ كَانَ رَآهُ بِعَيْنِهِ لَكَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ أَوْلَى. (٢)

قال ابن حجَر بعد ذكر الخلاف في رؤية النبي لربه ليلةَ المعراج:

"فيمكن الجمع بين


(١) أخرجه النَّسائي (١١٥٣٩)، والحاكم (٣١١٤). قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري"، ووافقه الذهبي.
(٢) مجموع الفتاوى (٦/ ٥٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>