الأُولى: أنَّ الثَّوري قد خالف الأعْمش في إسناده، فأرسَلَه. الثانية: عَنْعَنةُ الأعمش، وهي مردودة؛ لأنَّه مدلِّس ما لم يصرِّح بالسَّماع من حبيب بن أبي ثابت. الثالثة: لا يُعلَم لحبيب بن أبي ثابت سَماعٌ من عطاء. *ذِكْرُ من صحَّحَ الحديث: أمَّا ما يُذكر من أنَّ ابن خُزَيمة ضعَّفَه، فقد صححه مَن هو أجَلُّ منه، صحَّحه إسحاقُ بنُ راهَوَيْهِ، وأحمدُ؛ ذلك لأن أحمد وإسحاق أعلمُ بالأسانيد والعِلل ممن أقدمَ على تضعيف الحديث بغير مستنَد صحيحٍ. وكذلك قد صححه الذهبي، وابن حجر، وشيخ الإسلام ابن تيمية. كما أن عبد الله بن أحمد بن حنبل وابن أبي عاصم والدارقطني والآجري قد رَوَوا الحديث، وأمرُّوه كما جاء، ولم يتعرضوا لتضعيفه، ولو كان في إسناده علة قادحة لَما سكتوا عن بيانها، وخصوصاً الدارقطني، فإنه من أئمة الجرح والتعديل وأهل العلم بعلل الأحاديث. *أما الجواب عن العلل التي ذكرها ابن خزيمة فيقال: ١) أما مخالفة الثوري للأعمش، فإنها لا تؤثر في رواية الأعمش؛ لأنّ كلاً منهما حافظ إمام وشيخ من شيوخ الإسلام. قال ابن عيينة: "كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله وأحفظهم للحديث"، وقال يحيى القَطّان: "الأعمش علّامة الإسلام"، وقال شُعْبة: "ما شفاني أحد في الحديث ما شفاني الأعمشُ". وقد كان أحمد يَعلم إرسال الثوري، ولم يَقدح في الحديث عنده. ٢) وأما عنعنة الأعمش في روايته عن حبيب بن أبي ثابت، فإنها لا تؤثر في صحة الإسناد؛ لأن الأعمش معدود من المرتبة الثانية من المدلِّسين الذين احتَمَلَ الأئمة تدليسهم وأخرجوا لهم في الصحيح؛ لإمامتهم وقلة تدليسهم في جَنْبِ ما رَوَوْا. ٣) وأما عنعنة حبيب بن أبي ثابت في روايته عن عطاء، فإنها لا تؤثر في صحة الإسناد؛ لأن الظاهر أنه لم يدلس في هذه الرواية. ويدل على ذلك: أنه كان يروي عن ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- مباشرة، فلو كان دلَّسَ في هذا الحديث لَكان جديراً أن يرويَه عن ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- دُونَ واسطة بينهما ليَحصل له علوُّ الإسناد. = =* ومن جهة أخرى فإن للحديث شواهدُ تقوِّيه: أوَّلُها: عند ابن أبي عاصم (١/ ٢٢٧ - ٢٢٨): حدَّثنا محمد بن ثعلبة بن سَواءٍ، حدَّثني عمِّي محمَّد بن سَواءٍ، عن سعيد بن أبي عَرُوبةَ، عن قَتادة، عن أبي رافعٍ، عن أبي هُرَيرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إذا قاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ؛ فإنَّ اللهَ - تعالى - خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ وَجْهِهِ». إسناده صحيح. الشيء الذي يَمنع تفسير ضمير «على صورته» بـ "آدم" الَّذي جاء من حديث أحمدَ عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مرفوعاً: «إذا قاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ؛ فإنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» (٢/ ٥١٢) ... غيرَ أنَّ الشيخ الألبانيّ ضعَّفَ زيادة «على صورة وجْهه». وفي ذلك نظَر؛ لأنَّ الزِّيادة إذا كانت بياناً وليس فيها نوعُ مُنافاةٍ؛ فلا شُذُوذَ فيها وتكون مقبولة، كما قرَّرَه ابنُ الصَّلاح في مقدِّمته حيث قال في النوع الثاني من أنواع الزيادات: "ألّا يكونَ فيه منافاةٌ ومخالَفةٌ أصْلاً لِما رَواهُ غَيْرُهُ... ". ثانيها: ما رواه ابن أبي عاصم (٥٣٣) من طريق ابن أبي مَرْيمَ، حدَّثَنا ابن لَهيعةَ عن أبي يُونُسَ سُلَيْمِ بنِ جُبَيْرٍ عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قاتَلَ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ؛ فإنَّ صُورَةَ وَجْهِ الْإنْسانِ: على صُورةِ وَجْهِ الرَّحْمَنِ». وابن لهيعة -وإن رُمِي بسُوء الحفْظ- حَديثه يُعتبر به، ويَصْلُح في الشَّواهد والمتابَعات وقد أخرج ابن أبي عاصم في [السنة] (١/ ٢٣٠)، والدَّارَقطني في [الصفات] (٤٩) من طريق ابن لَهيعة عن أبي يُونُسَ والأعرجِ، عن أبي هريرة، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إذا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ؛ فإنَّ صُورةَ الْإنْسانِ: على صُورةِ الرحمنِ -عزَّ وجلَّ-». وهذا إسنادٌ رجاله ثقات، إلّا ابن لهيعة، وهو يَصْلح في الشواهد والمتابعات. قال الحافظ في [النُّزْهة]: "ومَتَى تُوبِعَ السَّيِّئُ الحِفْظِ بِمُعتَبَرٍ، وكذا المستورُ والمُرْسِلُ والمدلِّسُ- صار حديثُهم حَسَناً، لا لِذاته، بل بالمجموع". لذا صحَّح الحديثَ كلٌّ من الذَّهبيّ في [الميزان]، والهيثميّ في [مجمع الزوائد]، وابن حجر العسقلانيّ في [الفتح]، *ومن المعاصرينَ: حماد بن محمد الأنصاري في رسالته [تعريف أهل الإيمان بصحة حديث إن آدم خلق على صورة الرحمن]، وحمود التويجري في [عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن]، والشيخ عبد الله الغنيمان في [شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري]. منقول من [إثبات صفة الصورة لله -جل وعلا-] لعبد الجليل مبرور. وانظر [عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن] (ص/٢٤).