للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: ٥٨ - ٥٩]

* وهذا ما فعلَه محرِّفةُ هذه الأمّة في أدلة الشرع التي تخالف أهواءهم، وعلى الطريق السَّقيم نفسِه سارَ أهلُ التحريف من المعتزِلة القدَريّة، فحرَّفوا آياتِ الكتاب وأحاديثَ النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك لِلهوى، ولنُصْرة بِدَعهم، وذلك

لأنّ نَصَّ الحديث يخالف أصول مذهبهم في نَفْيهم للقدر. (١)

* لِذا حرَّفوا قول الله - تَعالَى -: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤]، كما

روى ذلك أصحاب السِّيَر هذه القصّة التي وقعت لعمرو بنِ عبيدٍ، أحد كِبار المعتزِلة، فقد قَالَ لأبي عمرو ابن العلاء أحد القُرّاء السبعة المعروفين المشهورين: أريد أن تقرأ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} بنَصْبِ اسم الله؛ وذلك ليكون موسى هو المتكلم، وليس الله، قال أبو عمرو:

هَبْ أنّي قرأتُ هذه الآية كما تقول، فكيف تصنعُ بقوله - تَعالَى -: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ...} [الأعراف: ١٤٣]؛ فبُهِتَ المُعتزليُّ. (٢)

*وكذلك مما يُنقل عن المعتزلة في هذا الباب:

تحريفهم لقوله - تَعالَى -: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: ١٦٤]، وقالوا: إنه من الكَلْم (بسكون اللام)، أي: الجَرْح، ويكون المعنى: جَرَحَ اللهُ موسى بأَظافِرِ المِحَنِ ومَخالِبِ الفِتَنِ.

والذي حملَهم على ذلك هو فرارهم من إثبات صفة الكلام لله؛ فوقعوا في التحريف. (٣)

قال المتنبِّي:

وكَمْ مِنْ عائِبٍ قَوْلاً صَحِيحاً... وآفتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ


(١) وذلك لأن -على ما دل عليه الحديث- آدم -عليه السلام- قد احتج بالقدرعلى ما وقع له من مصيبة الخروج من الجنة بعد أكله من الشجرة التي حرّمها الله -تعالى- عليه وعلى زوجه.
(٢) انظر: الصواعق المرسَلة (٣/ ١٠٣٧)، وشرح الطّحاويّة (ص/١٧٠).
(٣) الكَشّاف (١/ ٣١٤)، ومفاتيح الغيب (١١/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>