للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ» (١).

وهذا النوع من الشفاعة هو من خصائص الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فالشفاعة منفية عن الكافرين؛ كما في قوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: ٤٨]، وإنما خُصَّ منها أبو طالب عمُّ النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لِما كان يقدّمه مِن دفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس ذلك لقَرابته من الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: ١١٣]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فَأَذِنَ لِي". (٢)

* وروى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

«يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لا تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لا أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَلّا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟

فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ». (٣)

* وهذا يعلمنا درساً بليغاً ألا وهو فضل العمل للدين، فالله -عزوجل- قد قبل شفاعة نبيه -صلى الله عليه وسلم- في كافر لأنه قد ذبَّ عن شخص النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمَّنه ليبلغ دعوة ربه. فإذا كان هذا أثر العمل للدين من شخص ليس من أهله، فكيف إذا كان من أهله؟!!

وكم من أناس ماتوا في حياة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يعمد إلى قبر أحدهم للصلاة عليه كما فعل مع المرأة التى


(١) متفق عليه.
(٢) أخرجه مسلم (٩٧٦).
(٣) أخرجه البخاري (٣٣٥٠).
الذيخ: ذَكَرُ الضَّبْعِ الكثيرُ الشَّعَرِ. أُرِيَ أباه على غير هيئته ومنظره؛ ليُسرعَ إلى التبرّؤ منه.
"متلطخ": ملوَّث بالدم ونحوِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>