الكلام في قضية الشفاعة يدور بين الغلو والجفو، و {هَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[البقرة: ٢١٣]:
فالمشركون قد غالَوْا في إثبات الشفاعة، فقاموا يستشفعون بالآلهة الباطلة التي عبدوها من دون الله، أو معه؛ ظنّاً منهم أنّ عبادتها وسيلةٌ لأنْ يشفعَ لهم أصحابُها عند الله -عز وجل-، كما قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس: ١٨]،
وقال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}[الزمر: ٣]، فالله -عز وجل- أبطل هذه الشفاعة الشركية، وحكمَ على من تلبَّسَ بها أنه كاذب كَفَّار.
... وعلى الجانب الآخَرِ...
يَجيءُ أصحاب المُجافاة من النُّفاة، وهُمْ: الخوارج، والجهمية، والمعتزلة، الذين أنكروا شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في العصاة من أهل الكبائر، الذين ماتوا دون توبة.
وأمّا الجهمية:
فلمّا كان الإيمان عندهم هو المعرفة، والأعمال خارجة عن مسمَّى الإيمان، والكفر محصور في الجهل بالله -تعالى- فحسْبُ، ولا يُتصور عندهم أن يُعذَّب أحدٌ على ذنبٍ- فإنّ قولهم بإنكار الشفاعة مبني على عدم وجود من تَحْصُلُ له أصلاً.
* وأمّا الخوارج والمعتزلة:
فلمّا تبنَّوُا الْقولَ إنّ فعل الكبيرة يَسْتوجب أن يخلَّد صاحبُها في نار جهنم، فيرَوْن
أنّ مَن زنى - مثلاً - ومات مصرّاً على ذلك لا تنفعه الشفاعة، ولن يأذن الله -تعالى-