للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاتل الصحابة -رضي الله عنهم- مَن وقع في الكفر والردة، وذلك في حروب الردة.

*أما ما استدلوا به من أثار، فنقول:

الشرك الذي نفى الرَّسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقوعه إنما هو على مجموع الأمة، وعليه فقد يقع ذلك في الآحاد من أفرادها؛ ولذا قال:

«إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ». وأشار بذكر "الصلاة"؛ لأنها أهم العبادات البدنية، فلا ينفي هذا أن يقع الشرك وعبادة الأوثان في بعض الأُمَّة كما وقع في كثير من الناس من هذه الأُمَّة في عبادة المقبورين، كما هو واقع في بلاد المسلمين إلى يومنا هذا كما هو مشاهَد.

قال ابن حجر: "قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما أخافُ عليكم أن تُشركوا» أي:

على مجموعكم؛ لأن ذلك قد وقع من البعض. أعاذنا الله تعالى منها! " (١).

أما الأمة في مجموعها فهي لا ترتدّ جملةً، فقد عصمها الله تعالى من ذلك، فالأمة معصومة من أن تجتمع على ضلالة، فضلاً عن الشرك:

عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«لا تَزالُ طائفةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ» (٢)، وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَجَارَ أُمَّتِي أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ» (٣).

*وجوابٌ ثانٍ:

أن قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ...» كونه أيس فإن يأس الشيطان ليس معصوماً؛ لأنه يئس لما رأى ظهور الإسلام وظهور الدين فيئس أن يعبده المصلّون، كما في قوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ...} [المائدة: ٣]، فهو إخبار عن يأسه حينما رأى ظهور الدين (٤).

أو يُحمل يأسه على أنه يئسَ أن


(١) فتْح الباري شرْح صحيح البخاري (٣/ ٢١١).
(٢) أخرجه مسلم (١٩٢٠).
(٣) أخرجه الترمذي (٢١٦٧)، وانظر صَحِيح الْجَامِع (١٧٨٦).
(٤) القول المفيد (١/ ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>