للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*قال ابن رجب:

ولا نسبة لما حصل لقلوبهم في الدنيا من لطائف القرب والأنس والاتصال إلى ما يشاهدونه في الآخرة عياناً، فتتنعم قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم بقرب الله ورؤيته، وسماع كلامه، ولا سيما في أوقات الصلوات في الدنيا، كالجمع والأعياد، والمقربون منهم يحصل ذلك لهم كل يوم مرتين: بكرة وعشيا في وقت صلاة الصبح وصلاة العصر، ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يرون ربهم، حض عقيب ذلك على المحافظة على صلاة العصر وصلاة الفجر. (١)

ذكر ما صح في رؤية الله -تعالي - تكون في الآخرة يوم الجمعة:

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال:

"إن أهل الجنة يرون ربهم -تعالي- في كل يوم جمعة في رمال الكافور، وأقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة وأبكرهم غدواً " (٢)

وعن أنس-رضى الله عنه- مرفوعاً:

إذا كان يوم الجمعة تجلي الله -تعالي- لأهل الجنة، فينظرون إلي وجهه عز وجل، فَلَيْسَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ بِأَشْوَقَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا نَظَرًا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وَكَرَامَتِهِ، وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ. (٣)

* قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه:

سارعوا إلى الجمعة؛ فإن الله -عز وجل- يبرز لأهل الجنة في كل يوم جمعة في كثيب من كافور أبيض، فيكونون في الدنو منه على مقدار مسارعتهم في الدنيا إلى الجمعة. .

قال أبوعبيدة بن عبد الله بن مسعود:

فكان عبد الله لا يسبقه أحد إلى الجمعة، فجاء يوماً وقد سبقه رجلان، فقال: (رجلان وأنا الثالث، إن شاء الله يبارك في الثالث). (٤)


(١) جامع العلوم والحكم (ص/٢٠١)
(٢) أخرجه ابن بطة في الإبانة (ح/٣٠) وقال محققه: حسن لغيره.
قلت: يشهد له أثر ابن مسعود-رضى الله عنه- الأتي بعده، الموقوف وله حكم الرفع.
(٣) أخرجه الأجري في الشريعة (ح/٦١٢) و الطبراني في الأوسط (٢٠٨٤)
قال ابن القيم في حادي الأرواح (ص/٣١٣) وهذا حديث عظيم الشان، رواه أئمة السنة وتلقوه بالقبول، و جمَّل به الشافعي مسنده. وقال الألباني في صحيح الترغيب (٣٧٦١): حسن لغيره.
(٤) أخرجه الدارقطني في "رؤية الله" (ح/١٦٦) وابن بطة في الإبانة (ح/٣١) وصححه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي (٦/ ٤٠٣) ثم قال رحمه الله:
وهذا الذي أخبر به ابن مسعود -رضى الله عنه- أمر قد أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يكون أخذه عن أهل الكتاب؛ لوجوه:
(أحدها) أن الصحابة -رضى الله عنهم-قد نهوا عن تصديق أهل الكتاب فيما يخبرونهم به: فمن المحال أن يحدث ابن مسعود -رضي الله عنه -بما أخبر به اليهود على سبيل التعليم ويبني عليه حكما.
(الثاني): أن ابن مسعود - رضي الله عنه - خصوصاً كان من أشد الصحابة - رضي الله عنهم - إنكاراً لمن يأخذ من أحاديث أهل الكتاب.
(الثالث) أن الجمعة لم تشرع إلا لنا، والتبكير فيها ليس إلا في شريعتنا، فيبعد مثل أخذ هذا عن الأنبياء المتقدمين ويبعد أن اليهودي يحدث بمثل هذه الفضيلة لهذه الأمة وهم الموصوفون بكتمان العلم والبخل به وحسد هذه الأمة.
وانظرمجموع الفتاوي (٦/ ٤٠٥) ومسالك أهل السنة فيما أشكل من نصوص العقيدة (٢/ ٢٧١)

<<  <  ج: ص:  >  >>