للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشقي أو سعيد)

وليس إذا كان الله قد كتبه كافراً، يقتضي أنه حين الولادة كافر، بل يقتضي أنه لا بد أن يكفر، وذلك الكفر هو التغيير، كما أن البهيمة التي ولدت جمعاء، وقد سبق في علمه أنها تجدع، كتب أنها مجدوعة بجدع يحدث لها بعد الولادة، لا يجب أن تكون عند الولادة مجدوعة. (١)

فتبين أن المراد به حالة ثانية طرأت عليه من التهيؤ للكفر وقبوله عليه، غير الفطرة التى ولد عليها. (٢)

٢ - الإشكال الثانى:

قد احتج القدرية بحديث الباب على تأكيد أصلهم الباطل أن الإنسان هو الذى يخلق فعل نفسه؛ وذلك لقوله: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ..... "

فقوله: فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ.. دل أن الإضلال إنما يقع بفعل العبد نفسه!!!

وجواب ذلك:

١ - من أصول أهل السنة التي ثبتت عندهم بالكتاب والسنة والإجماع أن الهداية والإضلال إنما تقع للعبد بقدر الله تعالى، قال عزوجل (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) (الأنعام/١٢٥)

وقال تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) (الجاثية/٢٣)

وقال تعالى (مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الأنعام/٣٩)

وورد في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" إنَّ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ كَافِرًا "

*وأما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه... "

فغاية ما في إنما هو ربط الأقدار بأسبابها، فالمتسبّب في إضلال هؤلاء بالتهويد أو التنصير أو التمجيس إنما هم آباءهم، مع كون الجميع مما قدَّره الله -تعالى- وكتبه.


(١) درء تعارض العقل والنقل (٤/ ٤٠٢)
(٢) إِكمَال المعلِم بفَوَائد مسلم (٨/ ١٤٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>