للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهب المالكية والشافعية إلى أنه ليس بيمين منعقد، ولا كفارة على قائله؛ وعلة ذلك أن الأيمان إنما تنعقد بمن لزمت طاعته وعظمت حرمته، وهذ لا يكون إلا لله تعالى، وعليه ففي هذه الحال يجب عليه أن يستغفر الله، ويقول " لا إله إلا الله ".

في حين أوجب أصحاب الرأي عليه كفارة يمين. وهو قول أحمد وإسحاق، وذلك إذا

أراد قائله اليمين؛ وذلك بناءً على أن الأيمان تنعقد بكل ما عظم الشرع حرمته، لأن الحلف بالتعظيم كالحلف بترك التعظيم، وذلك أنه كما يجب التعظيم يجب أن لا يترك التعظيم، فكما أن من حلف بوجوب حق الله عليه لزمه، كذلك من حلف بترك وجوبه لزمه. (١)

والراجح -والله أعلم- هو القول الأول.

٥ - الفائدة الخامسة: كفارة الحلف بغير الله تعالى:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". (٢)

*وعن سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَاصٍ -رضى الله عنه- قَالَ:

حَلَفْت بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى، فَقَالَ أصْحَابِي: قُلْتَ هُجْراً، فَأتَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الْعَهدَ كَانَ قَريباً، وَحَلَفْتُ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى، فَقَالَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ لا إله إِلاَّ الله وَحْدَهُ ثَلَاثاً، ثُمَّ اتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثَاً، وَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ،

لَا تَعُدْ". (٣)

وبيان ذلك أن الحلف بغير الله -تعالى- سيئة، والحسنة تمحو السيئة، ولأن من حلف بغير الله -تعالى- معتقداً في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله - تعالى- أو دون ذلك فقد أشرك غير الله مع الله - تعالى - في تعظيمه بالقسم به، ولهذا سُمَّى شركاً،


(١) المجموع للنووي (١٩/ ١١٥) وبدائع الصنائع (٤/ ٣١) و بداية المجتهد (١/ ٧٢٢)
(٢) متفق عليه.
(٣) أخرجه أحمد (١٥٩٠) وابن حبان (١١٧٨) صححه الشيخ أحمد شاكر، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ فقد أخرج الشيخان في صحيحهما لأبي إسحاق من رواية إسرائيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>