للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأهل السنة والجماعة على أن الله -تعالى - يعلم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدث صادر عن علمه، وقدرته، وإرادته، هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية، وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين، إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة رضى الله عنهم.

وقد حكى المصنفون في المقالات عن طوائف من القدرية إنكار كون البارئ عالمًا بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم، وإنما يعلمها بعد كونها.

قال القرطبي:

قد انقرض هذا المذهب، ولا نعرف أحدًا ينسب إليه من المتأخرين، والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها، وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم، وواقعة منهم على جهة الاستقلال، وهو مذهب باطل، مع كونه أخف من المذهب الأول.

وأما المتأخرون منهم، فأنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد، فراراً من تعلق القديم بالمحدث، وهم مخصومون بما قال الشافعي: إن سلم القدري بالعلم خصم. يعني يقال له:

أيجوز أن يقع في الوجود خلاف ما تضمنه العلم؟، فإن منع، وافق قول أهل السنة، وإن أجاز، لزمه نسبة الجهل، تعالى الله عن ذلك. (١)

وحديث الباب يفيد أن معبداً هو أول من قال بالقدربالبصرة، وتكاد المصادر التى ترجمت لمعبد أن تُجمع على ذلك، وأن معبداً قد تشَّرب ذلك المنهج الضال من رجل من أهل البصرة كان نصرانياً، فأسلم، ثم تنصَّر يقال له: سيسويه أو سوسن، وهو من أبناء المجوس، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير وابن الأثير وأبوحاتم وغيرهم.

وكان من حسنات الخليفة عبد الملك بن مروان أنه أمر بقتل معبد الجهنى. (٢)


(١) فتح الباري (١/ ١٧٢)
(٢) ومعبد الجهني هذا بخلاف الصحابي معبد بن خالد الجُهني، أبو زرعة. الذى له صحبة ورواية، كما نص على ذلك ابن أبي حاتم.
قال ابن حجر: وقيل: هو هو، وهذا باطل، فإن القدري وافق هذا الصحابي في اسم أبيه ونسبه، واختلف في اسم أبيه، فقيل خالد مثل الصحابي، وقيل عبد اللَّه بن عويم، وقيل عبد بن عكيم.
انظر مجموع الفتاوى (٧/ ٣٨٤) والبداية والنهاية (٩/ ٣٤) وتاريخ الإسلام (٢/ ١٠٠٦) والإصابة في تمييز الصحابة (٦/ ١٣٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>