(٢) واليهود يتفقون مع النصارى في أن المسيح -عليه السلام - مات مصلوباً. وإنما موضع الاختلاف بينهما في زعم اليهود أن المسيح كفر بالله؛ لهذا حملوا عليه وطالبوا بدمه وزعموا أنه مات مصلوباً. والموت على الصليب يستلزم اللعنة عندهم، فقد ورد في سفر التثنية (٢١/ ٢٢) "وإذا كان على إنسان خطيئة حقها الموت فقتل وعلقته على خشبة فلا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنها في ذلك اليوم. لأن المعلَّق ملعون من الله". أما النصارى: فهم يعتقدون كذلك أن المسيح مات مصلوبا إلا أنهم يعللون ذلك بأنه: صلب فداءاً للبشر لتخليصهم من خطيئة أبيهم آدم عليه السلام، وهي أكله من الشجرة التي نهي عنها، فانتقلت تلك الخطيئة إلى أبنائه، وأغضبت الله عليهم أيضاً، فكان لابد من وسيط يتحمل هذا الإثم ويرضى بأن يموت على الصليب، وهذا الوسيط المخلص في زعمهم لابد أن يكون ذا وضع متميز خال من الإثم والخطأ، ولا يكون هذا إلا ابن الله - الذي هو الله في زعمهم - ثم لابد أن يكتسب الخطيئة عن طريق الجسد. فهذا ما جعله يتجسد في صورة عيسى، ويخرج من بطن مريم ثم يموت على الصليب فداءاً للبشر، فيرضى الله بذلك عن بني آدم وترتفع عنهم تلك الخطيئة، لأنهم يزعمون أن الله جل وعلا منذ وقع آدم في الخطيئة، وهو غضبان على بني آدم بسبب الخطيئة، فأنزل ابنه ليكون الوسيط والفداء الذي يقع عليه العدل؛ فيعذب على الصليب حتى الموت فيكون موته فداءاً لبني آدم فيمكن بعد ذلك رحمة بني آدم لأن العقاب قد حل بالوسيط المخلص، فكان بهذا المسيح هو الذي جمع بين عدل الله ورحمته وفتح باب رحمة الله لخلقه مرة أخرى. وانظر دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية (ص/٣٠٤)