للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*قال الإمام أحمد:

الكلمة التي ألقاها الله - تعالى- إلى مريم -عليها السلام- حين قال له:

كن، فكان عيسى: بكن، وليس عيسى هو الكُنُّ، ولَكِنْ بالكُنِّ كَانَ، فالكُنُّ من الله قول، وليس الكن مخلوقًا. وكذبت النصارى والجهمية على الله في أمر عيسى، وذلك أن الجهمية قالوا:

عيسى روح الله وكلمته، لأن الكلمة مخلوقة، وقالت النصارى: عيسى روح الله من ذات الله. وكلمته من ذات الله. كما يقال:

إن هذه الخرقة من هذا الثوب، وقلنا نحن: إن عيسى بالكلمة كان، وليس عيسى هو الكلمة. (١)

* تنبيه:

ما ذكره الإمام أحمد في قوله (وقالت النصارى: عيسى روح الله من ذات الله. وكلمته من ذات الله....) فهذا هو معتقد القوم في المسيح عليه السلام، إذ يقول الإنجيل "في البدء كان الكلمة... وكان الكلمة الله" (يوحنا ١: ١). ويكمل الإنجيل موضحا أنَّ كلمة الله هذا قد تجسَّد في إنسان، بقوله:

"والكلمة صار جسداً" (يوحنا ١: ١٤).

أي أن كلمة الله قد حل في جسد المسيح وتجلَّى فيه،، لذلك هم يقولون:

"لا نؤمن بجسد تأَّله، إنما نؤمن بإله تجسَّد". (٢)


(١) الرد على الجهمية والزنادقة (١/ ١٢٦)
وقال الدارمي في "رده على المريسي الجهمي العنيد" (٦٧٤/ ٢ - ٦٨٥) فيقال لهذا المعارض: فإذا قال: "كن" كان، فهذا المخرج من أنه كان بإرادته وبكلمته، لا أنه نفس الكلمة التي خرجت منه، ولكن بالكلمة كان، فالكلمة من الله " كن " غير مخلوقة، والكائن بها مخلوق.
(٢) ومما ورد في هذا المعنى من تخاريف القوم، ما رود في إنجيب يوحنا (ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ إِلَى الأَرْضِ، يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هَذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ، وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ) (١ يوحنا ٥: ٢٠) وورد في "إنجيل لوقا" (١: ٣٤ - ٣٥):
" ((فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا عذراء، لا أعرف رجلاً؟ فأجابها الملاك: الروح القدس يحل عليك، وقدرة العلي تظللك؛ لذلك فالقدوس الذي يولد منك يدعى ابن الله".)
ويجدر ملاحظة أن لفظة (كلمة) التي ذكرت في الإنجيل هنا يشار إليها على أنها مذكر فيقول (في البدء كان الكلمة) وليس (كانت الكلمة) وأيضاً في قوله: "والكلمة صار جسداً" وليس (الكلمة صارت جسدا). فلفظة "الكلمة " هنا إذاً تدل على أنها ليست مجرد كلمة عادية، لأن الكلمة العادية مؤنثة وليست مذكرا. وحيث أن لفظة الكلمة بالإنجيل هنا يشار إليها على أنها مذكر إذن فالمقصود بها هو أنها (الله نفسه) كما جاء في الإنجيل المقدس " وكان الكلمة الله" (يوحنا ١: ١)
*ومما جاء فيما يسمى "قانون الإيمان المسيحي" الذي صدرعن " مجمع " نيقية " الذي انعقد سنة ٣٢٥ للميلاد:
«يسوع المسيح (عيسى عليه السلام) (هو) ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء و تجسَّد من الروح القدس...»
[بعد ذلك توالت المجمعات الكنائسية التي أتت بالطامات، والذي تقرر: أن مريم العذراء ولدت إلهنا ربنا يسوع المسيح "الذي هو مع أبيه في الطبيعة الإهية ومع الناس في الطبيعة الإنسانية و شهدوا أن المسيح له طبيعتان، وأنه اتخذ اللاهوت والناسوت فيه أن المسيح إله و قضية الجوهر القديم و الابن و الآب و روح القدس ا. هـ تعالى الله عما يقول الضآلون علواً كبيراً.
** نقول:
وأصل هذا المعتقد في النصرانية إنما ينبني على زعمهم الباطل أن الله برحمة منه جسَّد كلمته في صورة بشرية، وهو ابنه المسيح المخلص،، ليكون فداءً للخطيئة الأولى،،، وورد في انجيل يوحنا عن المسيح انه قال قال " لم آت لأدين العالم، بل لأخلص العالم " (يو ١٢: ٤٧) وانظر محاضرات في النصرانية (ص/١٣٦)
* نقول:
إن أفضل تشبيه لهذه العقيدة الباطلة، ما سطره صاحب كتاب (براهين تحتاج إلى تأمل في ألوهية المسيح)، حيث شبّه الأمر بقصة ملك تمرد عليه شعبه، فأرسل إليهم رسلا يدعونهم إلى الخير فقتلوهم، فقرر الملك أن يبعث ابنه الوحيد ليضربوه ويقتلوه ويهينوه؛ كفارة عن معاصيهم، فمن صدق ذلك فهو عنده الكريم المغفور له، مهما ارتكب من آثام وموبقات وجرائم.
*وقد كانت حيثيات هذا القرار:
أن الملك عادل، ومن عدله يقتص من المجرمين المخربين المفسدين في مملكته، ولكنه حباً لهم، وحتى لا يُهلك كل من في المملكة، رضي بأن يقتص من ابنه الوحيد البريء، الذي يعدل القصاص منه كل جرائم شعبه، وأمر بأن يعذب ثم يصلب!!!!
فلو قيل لعاقل تجنن وقل هذياً، لما قال بمثل هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>