للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ:

.... وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ. (١)

* فيتضح من ذلك أن المشرك لا يُكره على الدخول في دين الإسلام، فعزة هذا الدين تأبى ذلك، وأن قتال المشركين المذكور في حديث الباب ليس رأس الأمر، وإنما هى دعوتهم إلى الإسلام بلا إكراه، فإن أبوا فُرضت عليهم الجزية، فإن أبوا كان الخيار الثالث وهو الأمر بقتالهم، وليس قتلهم، وفارق بين القتال الذى يراد من وراءه الإذعان، والقتل الذى يراد من وراءه الإبادة. (٢)

* ولذلك فلما ضرب علماء الأصول أمثلة لتخصيص السنة بالكتاب، قالوا:

عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) خُص بقوله تعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: ٢٩]. * وأما ما ادَّعاه الانهزاميون - الذين جعلوا الدين وكأنه سوأة يوارونها عن أعين الناظرين - أن القتال المذكور في حديث الباب إنما كان خاصاً بمشركي العرب الذين اضطهدوا النبي- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه -رضى الله عنهم- وحاربوا الدعوة فى مهدها الأول، فلا شك في بطلان هذا الإدعاء.

فقد قال تعالى (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لله) [البقرة/ ١٩٣]

قال القرطبي:

قوله تعالى: " وقاتلوهم" أمر بالقتال لكل مشرك في كل موضع، على من رآها ناسخة. ومن رآها غير ناسخة قال: المعنى قاتلوا هؤلاء الذين قال الله فيهم:

" فإن


(١) أخرجه أحمد (٢٣٠٣٠) ومسلم (١٧٣١)
(٢) ومن العلماء من جمع بين حديث الباب وأية الجزية: بأخذ الجزية من أهل الكتاب خاصة للأية، ووضع السيف فيمن ليس مستمسكًا بكتاب ولا شبهة كتاب؛ لظاهر الآية الواردة في القتل ولحديث الباب. وانظرالإبهاج في شرح المنهاج (١/ ٢٩٧)، والراجح ما ذكرناه أعلاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>