للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* لذا يقال فى تحقيق العلاقة بين وقوع الظلم وتحقق الأمن والاهتداء أن ذلك على حالات:

١ - الحالة الأولى:

من تخلَّص من أنواع الظلم الثلاثة التي سلف ذكرها، فحقق الإيمان التام الذي لم تشبه شوائب الشرك الأكبر المنافي لجميعه، ولا الشرك الأصغر المنافي لكماله، ولا المعاصي المحبطة لثمراته من الطاعات، كان له الأمن والاهتداء التام المطلق، ومعنى الأمن المطلق هو الذي ليس معه عذاب.

٢ - الحالة الثانية:

أن يتخلَّص من أعظم الظلم، الذى هو الشرك، ولكنه قد وقع في الأنواع الأخرى فهذا له الأمن من الخلود في النار، وهو ما يسمى " مطلق الأمن "، أى:

أن معه أصل الأمن وأصل الاهتداء، وإن عوقب على بقية أنواع الظلم الأخرى، وهذا وفق مشيئة الله تعالى.

فالذين سلِموا من الشرك لهم الأمن، إما الأمن المطلق، وإما مطلق الأمن، والأمن المطلق هو الذي ليس معه عذاب، وأما مطلق الأمن فهذا الذي قد يكون معه شيء من العذاب على حسب الذنوب.

وهذا هو المراد بقوله تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}؛ فقد بيَّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن المراد من هذه الأية ليس السلامة من مطلق الظلم، فمثل هذا لا ينفك عنه أحد، كما ورد عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضى الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ قَالَ:

(... يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، ...) (١)

، وإنما المراد من هذه الأية هو السلامة من الظلم المطلق، والذى بتحققه ينتفى عن المرء مطلق الأمن والاهتداء، لا الأمن أو الاهتداء المطلق.

٣ - الحالة الثالثة:

وهذه لمن لم يسلم من الشرك الأكبر، وصاحبها ينتفى معه مطلق


(١) أخرجه مسلم (٢٥٧٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>