للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وهذا هو الذى عليه أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بأنواع المظالم الثلاثة، وهم في ذلك وسط بين مدرستين قد ضَلَّتَا الفهم في هذا الباب:

١ - مدرسة الخوارج والمعتزلة:

فعندهم أن أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرُّون عليها دون توبة مخلّدون في النار، فتراهم يكفِّرون بظلم النفس بالكبائر، وينفون عن صاحبه مطلق الأمن والاهتداء.

٢ - مدرسة المرجئة:

وهم يرون أن ظلم النفس بما دون الشرك لا يكون مؤثراً في كمال الإيمان الواجب، بل لصاحبه - وإن مات مصرَّاً على الكبائر- الأمن والاهتداء المطلق.

*الفائدة الرابعة:

شذوذ أهل البدع في تعريف الظلم:

١ - قول الجهمية والأشاعرة:

قالوا في تعريف الظلم: أنه التصرف في ملك الغير، لذا فلو عذَّب الله -تعالى- المطيعين ونعَّم العاصين لم يكن ظالماً، لأن الظلم عندهم إنما هو التصرف في ملك الغير، والله - تعالى - مالك الملك، فأي فعل فعله ولو كان تعذيب أنبيائه وملائكته وأهل طاعته، وتكريم أعدائه من الكفار والشياطين لم يكن ظالماً؛ لأنه لم يتصرف إلا في ملكه. (١)

قال الغزالي:

لله عز وجل إيلام الخلق وتعذيبهم من غير جرم سابق ومن غير ثواب لاحق؛ لأنه متصرف في ملكه، ولا يتصور أن يعدو تصرفه ملكه، والظلم هو عبارة عن التصرف في ملك الغير بغير إذنه، وهو محال على الله تعالى. (٢)


(١) وقريبٌ من هذا الفهم المغلوط ما نص عليه ابن حزم في "الدرة" (ص/٤٣٥):
أن الله - تعالى- ولو عذَّب أنبيائه وملائكته وأهل طاعته، وكرَّم أعدائه من الكفار والشياطين لم يكن ظالماً لهم، ولكنه لم يفعله؛ لأنه قد نفى عن نفسه فعل ذلك!!
وهذا الكلام منه على ما فيه من وجه صحة، ولكنه ناقص الحق؛ فثمة سبب آخر هو الرئيس لامتناع ما ذكر؛ وهو أنه منافٍ لعدله ورحمته وحكمته، فالله - تعالى- منزَّه عن العبث.
ولكنَّ ابن حزم إذ علَّل بما ذكر فعلْة ذلك هو سيره على قاعدته في نفي معاني الأسماء الحسنى وحقائقها.
(٢) قواعد العقائد (ص/٢٠٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>