للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حياة البرزخ ليست حياة تامة مستقلة كحياة الدنيا وكالحياة الآخرة بعد البعث، وإنما فيها نوع اتصال الروح في البدن بحيث يحصل بذلك شعور البدن وإحساس بالنعيم والعذاب وغيرهما، وليست هي حياة تامة حتى يكون انفصال الروح به موتاً تاماً، وإنما هو شبيه بانفصال روح النائم عنه، ورجوعها إليه،

فإن ذلك يسمى موتاً وحياةً.

كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا استيقظ من منامه:

"الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور"

وسمَّاه الله تعالى وفاة، لقوله تعالى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}

[الزُّمَرِ: ٤٢]

مع هذا فلا ينافي ذلك أن يكون النائم حياً، وكذلك اتصال روح الميت ببدنه وانفصالها عنه لا يوجب أن يصير للميت حياة مطلقة. (١)

٢ - أما تضعيفه لحديث البراء - رضى الله عنه- فقد رددنا عليه فى تخريج الحديث، والذي سبق بيانه قريباً.

فالصحيح -والله أعلم -هو الذى عليه جمهور أهل السنة أن نعيم القبر وعذابه يحصل للروح والبدن.

قال شيخ الإسلام ابن تيمة:

مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه ولبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحياناً فيحصل له معها النعيم والعذاب. (٢)

* وهذا الذى دلت عليه السنة:

فعَنْ أَنَسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:

العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، .... ... قال: وَأَمَّا الكَافِرُ- أَوِ المُنَافِقُ - فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ:

لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ. (٣)

وفى حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:

خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةِ..... ، فكان مما ذكر: وَإِنَّ الْكَافِرَ فَذَكَرَ مَوْتَهُ. وَقَالَ: وَتُعَادُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ


(١) روائع التفسير (٢/ ١٠١)
(٢) مجموع الفتاوى (٤/ ٢٨٤)
(٣) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>