للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: " وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ ":

يدل على أن تسمية اليدين باليمين متعلق بحصول البركة والخير فى كليهما. ... وقد كانت العرب تحب التيامن، وتكره التياسر، لما في اليمين من التمام، وفي اليسار من النقص ولذلك قالوا: "اليمن والشؤم".

فإذا كانت اليدان يمينين، كان العطاء بهما، أي تصب العطاء ولا ينقصها ذلك. ووصف اليدين بأن كلتيهما يمين لا يعني عند العرب أن الأخرى ليست يساراً، بل قد يوصف الإنسان بأن يديه كلتيهما يمين، كما قال المرَّار:

وإِنَّ عَلَى الأمانَةِ مِنْ عَقِيلٍ... فَتىً كِلْتَا اليدَيْنِ لَهُ يَمِينَ. (١)

ولا يعني أن لا شمال له، بل هو من كرمه وعطائه شماله كيَمِينه.

قال أبو العباس ابن تيمية:

قال غير واحد من العلماء لما كانت صفات المخلوقين متضمنة للنقص فكانت يسار أحدهم ناقصة في القوة ناقصة في الفعل بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كلتا يمين الرب مباركة ليس فيها نقص ولا عيب بوجه من الوجوه، كما في صفات المخلوقين، مع أن اليمين أفضلهما. (٢)

وقال الشيخ محمد خليل هرَّاس:

يظهر أنَّ المنع من إطلاق اليسار على الله عَزَّ وجَلَّ إنما هو على جهة التأدب فقط؛ فإنَّ إثبات اليَمِين وإسناد بعض الشؤون إليها كما في قوله تعالى: وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، وكما في قوله عليه السلام: " إنَّ يَمِين الله ملأى سحاء الليل والنهار"، يدل على أنَّ اليد الأخرى المقابلة لها ليست يَمِيناً. (٣)

* تنبيه مهم:

قول ابن خزيمة: ولا يسار لخالقنا عز وجل، إذ اليسار من صفة المخلوقين، فجل ربنا عن أن يكون له يسار! (٤)

نقول: والتعليل بهذا فيه نظر؛ إذ أننا لو طردنا مثل هذه القاعدة فى صفات الله -عزوجل -


(١) تأويل مختلف الحديث (ص/٢٤٧)
(٢) مجموع الفتاوى (١٧/ ٩٢)
(٣) ذكره فى تعليقه على (كتاب التوحيد) لابن خزيمة (ص/٦٦)
(٤) التوحيد (ص/٦٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>