للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتأليه، ومن لوازمها: توحيد الربوبية الذى أقر به المشركون، فاحتج الله -تعالى- عليهم به، فإنه يلزم من الإقرار به الإقرار بتوحيد الإلهية. (١)

وبناء على علاقة الاستلزام بين توحيد الإلوهية وتوحيد الربوبية فقد حكم القرآن بكفر من جعل لله -تعالى - نداً فى الدعاء، وإن كان مقراً فى الجملة بتوحيد الربوبية.

فلم يك ينفعهم إيمانهم بالله -تعالى- الرب المدبر المحيي المميت مع إشراكهم به فى الدعاء، بالتوجه إلى الوسائط ودعائها من دون الله تعالى.

فإن الذين قاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعتقدوا فى اللات والعزة ومناة قدرة على الخلق ولا الإحياء ولا التدبير، ولا غير ذلك من صفات الربوبية، بل جعلوها قربة وقبلة لدعائهم يتقربون بها الله -تعالى- زلفى، وقالوا " مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى".

ومع ذلك فقد حكم الله -تعالى- عليهم بالكذب فى دعواهم وبالكفر في دعائهم، فقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (٣)) (الزمر: ٣).

قال ابن أبي العز:

فلو أقر رجل بتوحيد الربوبية الذي يقر به هؤلاء النظَّار؛ ويفنى فيه كثير من أهل التصوف؛ ويجعلونه غاية السائلين، وهو مع ذلك لم يعبد الله وحده، ولم يتبرأ من عبادة ما سواه كان مشركًا، من جنس أمثاله من المشركين. (٢)

قال عكرمة في قوله تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وهم مشركون) (يوسف/١٠٦) قال:

يسألهم من خلقهم ومن خلق السماوات والأرض فيقولون الله، فذلك إيمانهم،

وهم يعبدون غيره. (٣)


(١) إغاثة اللهفان (٢/ ١٣٥)
(٢) شرح العقيدة الطحاوية (ص/٣٦)
(٣) ذكره ابن حجر فى الفتح (١٣/ ٤٩٤) وقال: بأسانيد صحيحة عن عطاء وعن مجاهد نحوه.
كما ذكرها ابن كثير فى تفسير القرآن العظيم (٤/ ٤١٩) عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة والشعبي وقتادة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>