للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*نقول:

بل قد دل حديث الباب على وجوب السمع والطاعة وإن وقع ما هو أبلغ من الاستئثار بالمال، والذي هو تعدي الولاة على مال المرء، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:

" وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ "

وهذا يدلك على أن حق السمع والطاعة لا يسقط لولي الأمر، إن أخذ مال المرء بغير وجه حق.

فإذا كان الأمر كذلك فكيف يقال بعدها بسقوط حقه في السمع والطاعة إذا ما منع حق الناس من المال والعطايا، واستئثر بها لنفسه؟!

لذا يقال إن جعل السمع والطاعة منوطين بالعطاء من ولي الأمر، فهذا من المخالفة الظاهرة لهذه النصوص.

*ومما ورد من الترهيب في هذا الباب:

ما رواه أبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أنه قال:

" ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: ذكر منهم،

، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: ٧٧]. (١)

* عودٌ إلى حديث الباب:

قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ ".

* إشكال وجوابه:

أن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: " وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ "، يعارض ما ورد عن أَبِي هُرَيْرَةَ-رضى الله عنه- أن رَجُلاً سأل رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَال:

أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: "فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ" قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: "قَاتِلْهُ" قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: " فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: " هُوَ فِي النَّارِ". (٢)

والجواب:

لأنه لا تعارض بين النصين؛ فقوله -صلى الله عليه وسلم - لمن سأله: "إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ


(١) متفق عليه. وقد عد الهيتمي ذلك الأمر من الكبائر؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد التي لا نهاية لها. الزواجر (٢/ ١٩٦)
(٢) أخرجه مسلم (٢٢٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>