للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عباس -رضى الله عنهما- في قوله تعالى:

... (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)، قال: ما خالط السِّحْرَ من الرُّقَي، وقال الحسن: " النفاثات " السواحر. (١)

قال ابن القيم:

النفاثات في العقد هنَّ السواحر اللاتي يعقدن الخيوط، وينفثن على كل عقدة، حتى ينعقد ما يردن من السحر، والنفث فعل الساحر فإذا تكيَّفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة، وقد تساعد هو والروح الشيطانية على أذى المسحور فيقع فيه السحر بإذن الله -تعالى-الكوني القدري. (٢)

فلو كان السحر ليس بحقيقة -كما يزعم النفاة- لما أثّر في المسحور ولما تسبَّب في قتله، ولما أمرضه، ولما فرّق بينه وبين زوجه، فدلّ على أنه حقيقي، وعمل شيطاني، لأنه عُقد وعزائم، ولهذا يقول تعالى لنبيه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) إلى قوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)}.

٢ - قال تَعَالَى {فَيَتَعَلَّمُوْنَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُوْنَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّيْنَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ} (البَقَرَة: ١٠٢)

فقد ذكرت الأيه السحر وتعليمه، وأنهم يعلمونه الناس، فدل على أن له حقيقة، وأنه يؤثِّر ويفرِّق بين المرء وزوجه بإحداث البغضاء، ولو لم يكن له حقيقة لم يؤثِّر البغضاء، وإنما يقع أثره بإذن الله -تعالى- القدري الكوني.

وهذا موافق في الدلالة لما روى سَعْدُ بن أبي وقاص -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-

أنه قال: «مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ سُمٌّ، وَلَا سِحْرٌ». (٣)

فأثبت ضرراً بالسحر، كما هو واقع بالسم، وبالمفهوم فإن الضرر قد يقع لمن لم يأخذ بأسباب الشفاء.


(١) وانظر الجامع لأحكام القرآن (٢/ ٣٢) وجامع البيان في تأويل القرآن (٢٤/ ٧٠٤)
(٢) بدائع الفوائد (٣/ ١٧) وانظر فيض القدير (٣/ ١٤٤)
(٣) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>