تَقَدُّمُ الْوَاجِبِ عَلَى الْبِدْعَةِ الَّتِي لَمْ يَنْهَ عَنْهَا بِخُصُوصِهَا (أَوْ) بِحَمْلِ (الْوَاجِبِ) الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الْفَرْضِ (عَلَى) الْوَاجِبِ (الْمُسْتَقِلِّ) مَعْمُولُ الْحَمْلِ كَالْوَتْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (لَا الضِّمْنِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِقْلَالِهِ أَقْوَى مِنْ الضِّمْنِيِّ كَتَعْيِينِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ فِي الْفَرْضِ وَلِهَذَا يَنْجَبِرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ فِيهِ دُونَ الِاسْتِقْلَالِيِّ (أَوْ بِالْحَمْلِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) عَنْ الْمُجْتَهِدِ إمَّا عَنْ وَاحِدٍ أَوْ إحْدَاهُمَا عَنْ مُجْتَهِدٍ وَأُخْرَاهُمَا عَنْ آخَرَ (وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ) قِيلَ يُؤْتَى بِهَذَا فِي آخِرِ كَلَامٍ يُرَى فِيهِ أَثَرُ الضَّعْفِ لَعَلَّ مِنْ وَجْهِ الضَّعْفِ مَا ذُكِرَ وَأُشِيرَ إلَيْهِ آنِفًا مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ فِي الْقَطْعِ وَفِي كَوْنِ حَمْلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْفَرْضِ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ بِلَا قَرِينَةٍ وَأَيْضًا الْأَصْلُ فِي الْمُطْلَقُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَحَمْلُ الْوَاجِبِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ مُطْلَقٌ وَالْحَمْلُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يُلَائِمُهُ تَعْبِيرٌ صَرَّحُوا حَيْثُ يَتَبَادَرُ مِنْهُ الِاتِّفَاقُ.
وَأَنَا أَقُولُ دَلَالَةُ مَسْأَلَةِ الْخُلَاصَةِ عَلَى خِلَافِهِ خَفِيَّةٌ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ أَيْضًا (فَإِنْ قِيلَ مَا قَدْ سَبَقَ) مِنْ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ حَاصِلُهُ التَّقْسِيمُ الْمَفْهُومُ مِمَّا سَبَقَ لَيْسَ بِحَاصِرٍ إذْ الْمُقَسَّمُ يَعْنِي أَمْرَ الدِّينِ شَامِلٌ لِلْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَلَمْ يَذْكُرَا فِي الْأَقْسَامِ بَلْ يَلْزَمُ كَوْنُهُمَا بِدْعَةً، وَالْفُقَهَاءُ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ أَرْبَعَةٌ، وَإِنْ شِئْت قُلْت فِي الْحَاصِلِ أَمَّا هَذَا التَّقْسِيمُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَوْ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمِ لَكِنَّ التَّالِيَ بَاطِلٌ إذْ لَا يُمْكِنُ بُطْلَانُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ فَالْمُقَدَّمُ أَيْ عَدَمُ صِحَّةِ التَّقْسِيمِ حَقٌّ فَفِي الْحَقِيقِيَّةِ نَقْضٌ أَوْ مُعَارَضَةٌ لِلْقِسْمَةِ الْمَذْكُورَةِ (دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ كَافِيَانِ فِي أَمْرِ الدِّينِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِمَّا سَبَقَ لُزُومُهُمَا لَا كِفَايَتُهُمَا، فَإِنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ لَا يُنَافِي غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الانفهام بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَذَا مُجْمَعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الرِّوَايَاتِ وَلِذَا قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ لِلْعَلَّامَةِ الطَّرْطُوسِيِّ.
وَمَفْهُومُ التَّصْنِيفِ حُجَّةٌ وَكَذَا فِي الْأُصُولِيَّةِ وَيَدَّعِي أَيْضًا وُجُودَ الدَّلَالَةِ فِي الْمَفْهُومِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ يُقَالُ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ إفْرَادِ بَعْضِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ كِفَايَتُهُمَا (وَ) دَلَّ مَا سَبَقَ أَيْضًا عَلَى (أَنَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ بِأَحَدِهِمَا بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ) وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ لَيْسَا مِمَّا تَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا (فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ) وَكَذَا أَهْلُ الْأُصُولِ (الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ أَرْبَعَةٌ) أَقُولُ بَعْدَ مُلَاحَظَةِ الْبِدْعَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِيمَا سَبَقَ لَا يُتَوَجَّهُ هَذَا السُّؤَالُ إلَّا إذَا أُخِذَ فِيهَا إذْنُ الشَّارِعِ مُطْلَقًا وَلَوْ إشَارَةً، وَالْإِذْنُ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ مَوْجُودٌ ظَاهِرٌ بَلْ حَاصِلُ الْجَوَابِ رَاجِعٌ إلَى هَذَا فَلَعَلَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ فِي وَضْعِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ هُوَ التَّمْهِيدُ عَلَى رَدِّ الْمُتَصَوِّفَةِ وَيَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ.
(قُلْنَا لَا بُدَّ لِلْإِجْمَاعِ مِنْ سَنَدٍ مِنْ أَحَدِهِمَا حَالًّا أَوْ مَآلًا عَلَى الصَّحِيحِ) هَذَا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ مَآلًا وَإِشَارَةٌ إلَى الِاخْتِلَافِ وَإِلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي جَوَازِ أَنْ يَكُونَ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ قِيَاسًا وَظَاهِرٌ أَنَّ الْقِيَاسَ رَاجِعٌ إلَى الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَ) لَا بُدَّ (لِلْقِيَاسِ مِنْ أَصْلٍ ثَابِتٍ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (فَإِنَّهُ مُظْهِرٌ) لِلْحُكْمِ (لَا مُثْبِتٌ) فَلَا بُدَّ مِنْ مُثْبِتٍ وَهُوَ أَصْلُهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute