للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَمَرْجِعُ الْأَحْكَامِ وَمُثْبِتُهَا اثْنَانِ فِي الْحَقِيقَةِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِنَاءُ الْإِجْمَاعِ عَلَى السَّنَدِ وَالسَّنَدُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَزِمَ رُجُوعُهُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَيْضًا إذَا كَانَ أَصْلُ الْقِيَاسِ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَيَرْجِعُ إلَيْهِمَا وَأَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ مُثْبِتًا لِلْحُكْمِ بَلْ مُظْهِرٌ فَالْمُثْبِتُ الْحَقِيقِيُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَالْقِيَاسُ مُظْهِرٌ شَارِحٌ وَمُفَسِّرٌ مُبَيِّنٌ وَجْهَ الثُّبُوتِ فَقَوْلُهُ فِي الْحَقِيقَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ كَوْنَهَا دَلِيلَيْنِ صُورِيٌّ مَحْضٌ إذْ الدَّلِيلُ الْحَقِيقِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَّا الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لَكِنْ يُرَدُّ أَنَّ حَاصِلَهُ فِي الْإِجْمَاعِ رُجُوعُهُ إلَى سَنَدِهِ.

وَالْأَصْلُ فِي سَنَدِ الْإِجْمَاعِ أَنْ يَكُونَ ظَنِّيًّا وَالْأَصْلُ فِي الْإِجْمَاعِ الْقَطْعُ فَكَيْفَ يَصِحُّ الرُّجُوعُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِمَ لَمْ يُنْسَبْ الْحُكْمُ إلَى السَّنَدِ أَيْ الْكِتَابِ مَثَلًا كَسَائِرِ مَا نُسِبَ إلَى الْكِتَابِ، فَإِنْ قِيلَ: السَّنَدُ ظَنِّيٌّ وَالْقَطْعُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَنَقُولُ كَيْفَ يَصِحُّ الرُّجُوعُ وَالْحَالُ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْحُكْمِ هُوَ قَطْعِيَّتُهُ لَا ظَنِّيَّتُهُ، وَقَدْ يَكُونُ السَّنَدُ قَطْعِيًّا أَيْضًا وَلَوْ قُلْتُمْ الْإِجْمَاعُ مُبَيِّنٌ لِوَجْهِ دَلَالَةِ السَّنَدِ عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ قُلْنَا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِيَاسِ وَبَيْنَهُ بَلْ الظَّاهِرُ حِينَئِذٍ كَوْنُهُمَا مُظْهِرَيْنِ أَوْ مُثْبِتَيْنِ وَالتَّخْصِيصُ تَحَكُّمٌ لَعَلَّ حَلَّ هَذَا الْبَحْثِ يُعْلَمُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هُنَا أَدِلَّةً أُخَرَ رَاجِعَةٌ أَيْضًا إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَشَرَائِع مَنْ قَبْلَنَا وَمَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ وَالْعُرْفِ وَالتَّعَامُلِ وَالِاسْتِصْحَابِ وَالتَّحَرِّي وَالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَالْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْقُرْعَةِ وَالتَّفْصِيلِ فِي الْأُصُولِيَّةِ كَالْمِرْآةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ رَاجِعَةٌ إلَى الْأَرْبَعَةِ وَالْأَرْبَعَةُ رَاجِعَةٌ إلَى اثْنَيْنِ بَلْ ثَانِي الِاثْنَيْنِ يَعْنِي السُّنَّةَ رَاجِعٌ إلَى أَوَّلِهِمَا أَيْ الْكِتَابِ إذْ السُّنَّةُ أَيْضًا شَرْحٌ وَبَيَانٌ لِلْكِتَابِ فَحِينَئِذٍ يَشْكُلُ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الدَّلِيلُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَاللَّازِمُ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالْكِتَابِ، وَإِنْ أُرِيدَ الدَّلِيلُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَاللَّازِمُ اعْتِبَارُ الْجَمِيعِ وَهُمْ اعْتَبَرُوا الْأَرْبَعَةَ (فَظَهَرَ مِنْ هَذَا) أَيْ مِنْ أَدِلَّةِ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالِاحْتِرَازِ مِنْ الْبِدْعَةِ وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ هُوَ الْأَرْبَعَةُ الرَّاجِعَةُ إلَى اثْنَيْنِ (أَنَّ مَا يَدَّعِيه بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ) وَهُمْ الْمُتَشَقْشِقَةُ مِنْهُمْ يَعْنِي يُظْهِرُونَ الصَّفْوَةَ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا لِعَدَمِ إتْيَانِهِمْ عَلَى قَوَاعِدِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (فِي زَمَانِنَا) وَهُوَ عَصْرُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ سَنَةُ تِسْعِمِائَةٍ (إذَا أُنْكِرَ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ (عَلَيْهِمْ بَعْضُ أُمُورِهِمْ) الْأُولَى فِي مَقَامِ الْمُبَالَغَةِ تَرَكَ لَفْظَ الْبَعْضِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ (الْمُخَالِفُ) صِفَةً لِلْبَعْضِ (لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ) إجْمَاعًا أَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ يَعْنِي خِلَافِيًّا فَلَوْ وَافَقَ بِاجْتِهَادِ مُجْتَهِدٍ مَا، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَنْ عَدَاهُ لَا يَكُونُ مُنْكِرًا فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِمُجْتَهِدٍ أَنْ يَرُدَّ مُجْتَهِدًا آخَرَ فِي مَحَلِّ خِلَافِهِمَا فَكَذَا مُقَلِّدُوهُمَا فَلَا يَعْتَرِضُ حَنَفِيٌّ عَلَى شَافِعِيٍّ بِأَكْلِ الضَّبِّ وَمَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَلَا شَافِعِيٌّ عَلَى حَنَفِيٍّ بِشُرْبِ نَبِيذٍ غَيْرِ مُسْكِرٍ لَكِنَّ هَذَا إنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّأْوِيلِ أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّهُ قَدْ فَصَّلَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ مَنْ قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى غَيْرِهِ.

وَلَوْ جَوَّزَ هَلْ يَلْزَمُ الِانْتِقَالُ فِي الْكُلِّ أَوْ يَجُوزُ فِي الْبَعْضِ مَعَ عَدَمِ الِانْتِقَالِ فِي الْبَاقِي (أَنَّ حُرْمَةَ ذَلِكَ) مَفْعُولُ يَدَّعِي أَيْ حُرْمَةَ مَا أَنْكَرَ إنَّمَا هُوَ (فِي الْعِلْمِ الظَّاهِرِ) فَحُرْمَتُهُ مُخْتَصَّةٌ بِأَهْلِ الظَّاهِرِ أَيْ أَرْبَابِ الشَّرِيعَةِ (وَأَنَّا) مَعْشَرُ الصُّوفِيَّةِ (أَصْحَابُ الْعِلْمِ الْبَاطِنِ) الْمُسَمَّى بِالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ وَهُوَ عِلْمُ الْقَلْبِ وَمَعْرِفَةُ أَحْوَالِهِ (وَإِنَّهُ) أَيْ مَا أُنْكِرَ (حَلَالٌ فِيهِ) فِي الْبَاطِنِ فَيَعْتَقِدُونَ الْحِلَّ الْقَطْعِيَّ فِيمَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ قَطْعًا فَكُفْرٌ صَرِيحٌ فَاعِلُهُ وَرَاضِيه وَلَوْ كَانَ مَا حَرَّمَ الشَّرْعُ غَيْرَ قَطْعِيٍّ بَلْ ظَنِّيٌّ فَلَا يُكَفَّرُ بَلْ يُفَسَّقُ أَوْ يُضَلَّلُ أَوْ يُجَهَّلُ (وَإِنَّكُمْ) وَفِي بَعْض النُّسَخِ وَأَنْتُمْ يَا أَهْلَ الظَّاهِرِ وَأَرْبَابَ الشَّرِيعَةِ (تَأْخُذُونَ) عَمَلكُمْ بَلْ اعْتِقَادُكُمْ (مِنْ الْكِتَابِ) الْقُرْآنِ (وَأَنَّا نَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ) أَيْ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ ظُهُورُهُ فِي يَدِ (مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مَنَامًا أَوْ يَقَظَةً أَوْ حَالًا فَعِنْدَهُمْ الرُّؤْيَا وَالْإِلْهَامُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى قَطْعِيَّاتِ الْكِتَابِ وَسَيُصَرِّحُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِلْمِ مُطْلَقًا فَضْلًا عَنْ الْقَطْعِيِّ (فَإِذَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا مَسْأَلَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>