أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ» عِلَّةُ النَّهْيِ أَنَّ الْأَشْرِبَةَ لَطِيفَةٌ يُسْرِعُ إلَيْهَا التَّغْيِيرُ بِالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ لَا سِيَّمَا الْمَاءُ فَلَعَلَّ الشَّارِبَ إذَا تَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ نَفَخَ فِيهِ يُؤَثِّرُ فِيهِ خُلُوفُ فَمِهِ فَتُغَيَّرُ رَائِحَتُهُ وَأَنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ بُزَاقِهِ فَيَحْصُلُ لِلنَّاسِ تَنَفُّرٌ وَأَمَّا النَّفْخُ بَعْدَ قِرَاءَةِ بَعْضِ الْأَدْعِيَةِ إلَى نَحْوِ الْمَاءِ وَيَشْرَبُهُ الْمَرِيضُ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّةِ ثُبُوتِهِ مِنْ قَبِيلِ عَامٍّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ وَلَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الصُّلَحَاءِ وَغَيْرِهِمْ لِعُمُومِ الصِّيغَةِ وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْجِنْسِ كَثِيرًا مَا يَكُونُ لِبَعْضِ أَفْرَادِهِ فَافْهَمْ.
(وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسُّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ) بِيَدِهِ الْيُمْنَى حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَفِي الذَّكَرِ عُمُومُ مَجَازٍ شَامِلٌ لِفَرْجِ الْمَرْأَةِ مُقَايَسَةً أَوْ دَلَالَةً وَكَثُرَ أَنْظَارُهُ (وَإِذَا تَمَسَّحَ) بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ (فَلَا يَتَمَسَّحُ بِيَمِينِهِ) أَيْ لَا يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا التَّمَسُّحُ بِهَا بِأَنْ يَجْعَلَهَا مَكَانَ الْحَجَرِ فَيُزِيلُ بِهَا النَّجَاسَةَ فَحَرَامٌ فَإِنْ قُلْت مَا الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ تَعْلِيمِ أَدَبِ الشُّرْبِ وَأَدَبِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ قُلْت إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا شَرِبَ بَالَ مَا شَرِبَهُ فَاحْتَاجَ إلَى مَسِّ الْفَرْجِ حَالَ خُرُوجِهِ فَلَمَّا ذُكِرَ حُكْمُ الْمَدْخَلِ نَاسَبَ ذِكْرَ حُكْمِ الْمَخْرَجِ كَذَا فِي الْفَيْضِ.
(وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْمَمْلَحَةِ) ظَرْفُ الْمِلْحِ (عَلَى الْخُبْزِ) لِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِالْخُبْزِ الَّذِي أُمِرْنَا بِإِكْرَامِهِ وَأَمَّا وَضْعُ نَفْسِ الْمِلْحِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا قِيلَ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ تَقْيِيدِهِمْ بِالْمَمْلَحَةِ وَقَدْ مَرَّ مِرَارًا أَنَّ مَفْهُومَ التَّصْنِيفِ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ هَذَا لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَئِمَّةِ بُخَارَى لَمْ يَرَوْا فِي وَضْعِ الْمَمْلَحَةِ عَلَى الْخُبْزِ بَأْسًا والمرغيناني كَانَ لَا يُفْتِي بِكَرَاهَتِهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمِلْحِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ الْأَكْلَ بِالْمِلْحِ وَيَخْتِمَ بِهِ.
وَفِي الشِّرْعَةِ وَيَبْدَأُ بِالْمِلْحِ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ الْأَمْرَاضِ وَفِي شَرْحِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا عَلِيُّ ابْدَأْ طَعَامَك بِالْمِلْحِ فَإِنَّ الْمِلْحَ شِفَاءٌ مِنْ سَبْعِينَ دَاءٍ مِنْهَا الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَوَجَعُ الْبَطْنِ وَالضِّرْسِ» كَذَا فِي الْعَوَارِفِ وَقِيلَ كَذَا فِي كَنْزِ الْعِبَادِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ الْفَوَائِدِ وَيُقَدَّمُ الْمِلْحُ الْمَدْقُوقُ وَيُرْفَعُ بِالْمُسَبِّحَةِ وَالْإِبْهَامِ وَلَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ رَبِّ الْبَيْتِ إلَّا الْخُبْزَ وَالْمَاءَ وَالْمِلْحَ كَمَا فِي الْبُسْتَانِ انْتَهَى وَفِي رِسَالَةٍ مُسَمَّاةٍ بِطِبِّ النَّبِيِّ مَنْسُوبَةٍ إلَى الْحَبِيبِ النَّيْسَابُورِيِّ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَرَّبَ أَحَدُكُمْ الطَّعَامَ فَلْيَبْدَأْ بِالْمِلْحِ» .
«وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ افْتَحْ طَعَامَك بِالْمِلْحِ وَاخْتِمْ بِهِ فَإِنَّ مَنْ افْتَتَحَ طَعَامَهُ بِالْمِلْحِ وَاخْتَتَمَ بِهِ عُوفِيَ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ مِنْهَا الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ» انْتَهَى هَذَا.
لَكِنْ حَكَمَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ بِوَضْعِ حَدِيثِ الْمِلْحِ فِي مَوْضُوعَاتِهِ وَاغْتَرَّ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَمَنَعَ لَكِنْ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّةِ الْوَضْعِ فِي الْبَعْضِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَلَّمَ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ كَيْفَ وَالْفُقَهَاءُ لَا يَحْكُمُونَ بِمَشْرُوعِيَّةِ شَيْءٍ لَمْ يَقِفُوا عَلَى صِحَّتِهِ وَقَدْ عَدَّ ابْنُ حَجَرٍ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ مِنْ حُفَّاظِ الْمُحَدِّثِينَ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ عَلِيٌّ الْقَارِيّ وَهُوَ صَاحِبُ شِرْعَةِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ وَهُوَ الْجَصَّاصُ مِنْ كِبَارِ السَّادَةِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ يَقِينًا وَلَوْ سَلِمَ مَوْضُوعِيَّةُ الْكُلِّ فَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ السُّنِّيَّةِ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي الشِّرْعَةِ أَيْضًا السُّنَّةُ هُنَا مَا كَانَ عَلَيْهِ الْقَرْنُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَالرَّشَادِ وَهُمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَمَنْ عَاصَرَ سَيِّدَ الْخَلَائِقِ ثُمَّ التَّابِعُونَ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّف وَمِنْ السُّنَّةِ ابْتِدَاءُ مُرَادِهِ مِنْ السُّنَّةِ سُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ أَوْ سُنَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْ سُنَّةِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ أَوْ سُنَّةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ عَنْ رَوْضَةِ النَّاصِحِينَ السُّنَّةُ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ طَرِيقَةٍ مَسْلُوكَةٍ أُمِرْنَا بِإِحْيَائِهَا وَأَيْضًا يُقَدَّمُ أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْحَدِيثِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَبِالْجُمْلَةِ أُمِرْنَا بِتَبَعِيَّةِ فُقَهَائِنَا لِأَنَّ حُجَّتَنَا فِي الْأَحْكَامِ هِيَ أَقْوَالُهُمْ لَا غَيْرُ فَلَا يَنْبَغِي تَرْكُ الْمِلْحِ عِنْدَ الطَّعَامِ.
(وَ) وَضْعُ (الْخُبْزِ تَحْتَ الْقَصْعَةِ) لِنَحْوِ التَّسْوِيَةِ لِأَنَّهُ إهَانَةٌ (وَتَعْلِيقُ الْخُبْزِ عَلَى الْخِوَانِ) أَيْ السُّفْرَةِ مَجَازًا وَإِنَّمَا يُوضَعُ (بِحَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ كَرَامَةً) لِلْخُبْزِ لَعَلَّ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ كَالْحِفْظِ مِنْ الْفَأْرَةِ وَعَدَمِ وِجْدَانِ مَحَلٍّ يُوضَعُ لَا يُكْرَهُ وَفِي الْجَامِعِ «أَكْرِمُوا الْخُبْزَ» لِأَنَّ فِي إكْرَامِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute