للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ لِلْأَرْضِ أَوْ انْحَصَرَ الطَّرِيقُ بِهَا (وَيَدْخُلُ فِيهِ الدُّخُولُ إلَى ضِيَافَةٍ بِلَا دَعْوَةٍ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ دُخُولَ دَارِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ مَعَ زِيَادَةِ أَكْلِ طَعَامِهِ بِلَا إذْنِهِ فَفِيهِ ضَرَرَانِ (وَفِيهِ حَدِيثٌ سَيَجِيءُ وَيُسْتَثْنَى) مِنْهُ (الدُّخُولُ) إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ (لِخَوْفِ ضَيَاعِ مَالِهِ كَمَا إذَا أَخَذَ رَجُلٌ ثَوْبَهُ) مِنْ حَانُوتِهِ مَثَلًا (فَدَخَلَ دَارِهِ جَازَ أَنْ يَدْخُلَ صَاحِبُهُ أَيْضًا لِيَأْخُذَهُ، وَكَذَا إذَا وَقَعَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ فِي دَارِ رَجُلٍ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَهَبِّ الرِّيحِ (وَخَافَ أَنْ لَوْ عَلِمَ صَاحِبُ الدَّارِ مَنَعَهُ) مِنْ دُخُولِهِ وَأَخْذِهِ بَلْ يَسْتُرُهُ وَيُنْكِرُهُ (لَهُ أَنْ يَدْخُلَ) دَارِهِ (بِغَيْرِ إذْنِهِ لَكِنْ يُعْلِمُ) مِنْ الْإِعْلَامِ (الصُّلَحَاءَ) مِنْ النَّاسِ (أَنَّهُ يَدْخُلُ دَارِهِ لِهَذَا) لِأَجْلِ أَخْذِ مَا وَقَعَ مِنْ مَالِهِ لِدَفْعِ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَنْعَ صَاحِبِ الدَّارِ بِأَنْ يَعْلَمَ إخْرَاجَهُ أَوْ يَأْذَنَ بِالدُّخُولِ لِأَخْذِهِ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُ لَعَلَّ فِي التَّعْبِيرِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إشَارَةً إلَى اشْتِرَاطِ الْكَثْرَةِ فَفِي الْمَالِ الْقَلِيلِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَدْخُلَ لَكِنْ ظَاهِرُهُ مَا نُقِلَ عَنْ الْأَشْبَاهِ آنِفًا هُوَ الْإِطْلَاقُ.

(وَالْمَشْيُ عَلَى الْمَقَابِرِ) بِلَا ضَرُورَةٍ وَإِلَّا فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَنْ لَهُ بُقْعَةٌ بَيْنَ الْمَقَابِرِ وَلَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهَا بِلَا وَطْءِ الْمَقَابِرِ لَهُ أَنْ يَتَخَطَّى الْمَقَابِرَ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا مَرَّ بِقَبْرٍ وَقَرَأَ شَيْئًا بِنِيَّةِ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ بَعْضٌ يَقْرَأُ سُورَةَ التَّكَاثُرِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا كَانَ قَبْرُ وَالِدَيْهِ بَيْنَ الْقُبُورِ فَأَرَادَ زِيَارَتَهُمَا فَيَزُورُ بِغَيْرِ وَطْءِ قَبْرٍ، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ وَالِدِهِ بَعْدَ سُؤَالِهِ عَنْهُ إنَّ وَطْءَ الْقُبُورِ إثْمٌ، ثُمَّ الْقُعُودُ عَلَى الْقَبْرِ كَالْمَشْيِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ بَعْضٍ «لَأَنْ أَجْلِسَ عَلَى الْجَمْرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَجْلِسَ عَلَى الْقَبْرِ» أَقُولُ هَذَا مَضْمُونُ حَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» قَالَ ابْنُ الْمَلِكِ الْمُرَادُ بِالْجُلُوسِ مَا يَكُونُ لِلتَّخَلِّي وَالْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ» النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ إنَّمَا كُرِهَ الْجُلُوسُ عَلَى الْقُبُورِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِخْفَافِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَكْرَهْهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لِمَا أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَجْلِسُ عَلَى الْقُبُورِ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَضْطَجِعُ عَلَيْهَا وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الْجُلُوسِ لِلْبَوْلِ لَكِنَّ كَلَامَ الْفُقَهَاءِ رَاجِحٌ عَلَى غَيْرِهِ فَافْهَمْ.

(وَاتِّبَاعُ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ وَزِيَارَتُهُنَّ الْقُبُورَ " ت " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» ، وَعَنْ ابْنِ الْمَلِكِ أَنَّ فِي صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَتْ زِيَارَتُهَا عَلَى النُّدْرَةِ لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي اللَّعْنِ وَاسْتَثْنَى زِيَارَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ زِيَارَةُ الصَّحَابَةِ وَالصُّلَحَاءِ أَيْضًا، وَعَنْ ابْنِ الْمَلِكِ أَيْضًا عَنْ بَعْضٍ أَنَّ النَّهْيَ قَبْلَ الرُّخْصَةِ فَبَعْدَهَا دَخَلَ فِي الرُّخْصَةِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ، وَعَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» وَرَدَّ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ الْإِنَاثَ لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي خِطَابِ الذُّكُورِ فِي الْأُصُولِ كَذَا فِي الْفَيْضِ لَكِنْ فِي أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ الْأَصَحُّ عَلَى الدُّخُولِ إمَّا تَغْلِيبًا أَوْ إلْحَاقًا أَوْ تَبَعًا، لَكِنْ يُرَدُّ قَوْلُ ابْنِ الْمَلِكِ مِنْ فَهْمِ تَجْوِيزِ كَوْنِ الزِّيَارَةِ عَلَى النُّدْرَةِ مِنْ حَدِيثِ الْجَامِعِ «لَعَنَ اللَّهُ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ» بِلَا مُبَالَغَةٍ وَقِيلَ إنْ حُمِلَتْ زِيَارَتُهَا عَلَى تَجْدِيدِ حُزْنٍ وَبُكَاءٍ فَحَرَامٌ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ «لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - يَا رَسُولَ كَيْفَ أَقُولُ إذَا زُرْت الْقُبُورَ؟ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَرَحِمَ اللَّهُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَّا وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» كَذَا فِي الْفَيْضِ أَيْضًا لَكِنَّ أَمْرَهُ لِعَائِشَةَ لَا أَقَلَّ مِنْ النَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ فَالِاحْتِجَاجُ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» فَإِنَّهَا تُرْفِقُ الْقَلْبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ وَلَا تَقُولُوا هَجْرًا، خِطَابٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>