للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ يُقَالُ فِي الْمَنْعِ عَنْ الْخُرُوجِ طِبًّا إنَّ الطَّاعُونَ هَوَاءٌ فَإِصَابَتُهُ لَيْسَتْ لِظَاهِرٍ بَلْ لِبَاطِنٍ كَالْقَلْبِ وَالرِّئَةِ وَالْكَبِدِ فَظُهُورُهُ فِي الظَّاهِرِ يَعْنِي الْبَدَنَ كَثِيرٌ أَمَّا بَعْدَ زَمَانٍ مَدِيدٍ فَلَا يُفِيدُ الْخُرُوجَ نَعَمْ يُحْتَمَلُ كَوْنُ إصَابَتِهِ عِنْدَ بَقَائِهِ بِلَا خُرُوجٍ لَكِنْ وَهْمِيٌّ، وَمَعَ هَذَا يَنْضَمُّ إلَى الْخُرُوجِ تَعْطِيلُ أَحْوَالِ الْمَطْعُونِينَ بَلْ تَحْقِيقُ إهْلَاكِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ بَقَاءِ أَحَدٍ مِنْ الْأَصِحَّاءِ وَخَلَاصُهُمْ مُنْتَظَرٌ، وَفِي مَنْعِ الدُّخُولِ أَيْضًا أَنَّ الْهَوَاءَ لَمْ يُؤَثِّرْ بِبَاطِنِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْبَلَدِ حَاجَةٌ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يُمْنَعُ بَلْ يُنْدَبُ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى الضَّرَرِ الْمَوْهُومِ لِتَخَلُّصِ الضَّرَرِ الْمَقْطُوعِ عَنْ الْمَطْعُونِينَ.

(فَائِدَةٌ)

فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّ الطَّاعُونَ مِنْ النَّوَازِلِ الشَّدِيدَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْقُنُوتَ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ مَشْرُوعٌ عِنْدَ النَّوَازِلِ، وَفِي الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ عِنْدَنَا مِنْ غَيْرِ بَلِيَّةٍ إلَى آخِرِهِ وَأَيْضًا الطَّاعُونُ مِنْ عُمُومِ الْمَرَضِ، وَفِيهِ يُصَلُّوا وُحْدَانًا كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي فَتُسَنُّ لَهُ رَكْعَتَانِ فُرَادَى كَالْخُسُوفِ وَيَتَضَرَّعُ كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ كَمَا فِي الرِّيحِ الشَّدِيدِ وَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَالثُّلُوجِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ وَالْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَجْتَمِعُونَ كَالْخُسُوفِ وَيُصَلُّونَ وَيَدْعُونَ، ثُمَّ قَالَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْزَعَ إلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ كُلِّ حَادِثَةٍ انْتَهَى إجْمَالًا.

أَقُولُ: لَا يَخْفَى إنْ كَانَ ذَلِكَ بِدُعَاءِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شَهَادَةً وَرَحْمَةً وَمَغْفِرَةً لِمَنْ مَاتَ مِنْهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِرَفْعِهِ؟ وَكَيْفَ يَصِحُّ الْقِيَاسُ فِي مَعْرِضِ النَّصِّ؟ وَكَيْفَ يَدْخُلُ فِي تِلْكَ الْعُمُومَاتِ؟ وَلَوْ سَلِمَ شُمُولُهَا فَيَجِبُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ السُّيُوطِيّ أَنَّ الدُّعَاءَ بِرَفْعِهِ بِدْعَةٌ حَتَّى قِيلَ لِمُعَاذٍ اُدْعُ اللَّهَ يَرْفَعْ عَنَّا هَذَا الرِّجْزَ فَقَالَ لَيْسَ بِرِجْزٍ وَلَكِنْ دَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ وَمَوْتُ الصَّالِحِينَ وَشَهَادَةٌ يَخْتَصُّ اللَّهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْكُمْ اللَّهُمَّ آتِ آلَ مُعَاذٍ نَصِيبَهُمْ الْأَوْفَرَ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ.

قِيلَ وَمَا وَقَعَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ لِلْوَبَاءِ فَعَامٌّ مَخْصُوصٌ؛ لِأَنَّ الْوَبَاءَ أَعَمُّ مِنْ الطَّاعُونِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ هُنَا أَقُولُ لَعَلَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَغْرَاضِ فَلَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِرَفْعِهِ لِلْخَوَاصِّ كَالْمُتَوَكِّلِينَ الْكَامِلِينَ وَيَجُوزُ لِلْعَوَامِّ كَمَا رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَحْسَنُ مَا يُدَاوَى بِهِ الطَّاعُونُ التَّسْبِيحُ، وَعَنْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ كَثْرَةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ بِرَفْعِهِ لَا مُطْلَقًا بَلْ مِنْ هَذَا الْعَاجِلِ مَثَلًا إذْ قَدْ سَمِعْت أَنَّ طُولَ عُمْرِ الْمُؤْمِنِ لَا يُعَادِلُهُ عَمَلٌ كَيْفَ، وَقَدْ سَمِعْت دُعَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي قَتْلًا فِي سَبِيلِك بِالطَّعْنِ أَيْ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالطَّاعُونِ الْجِنِّ» فَكَمَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ لِلْجِهَادِ فَلْيَجُزْ لِلْجِنِّ وَإِنَّ الدُّعَاءَ لِرَفْعِ مَا يُوجِبُ الشَّهَادَةَ كَالْبَطْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالشِّفَاءِ لِلنُّفَسَاءِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا فَلْيَجُزْ لِلطَّاعُونِ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ الدَّوَاءَ وَالْمُعَالَجَةَ فِي الطَّاعُونِ فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فَلْيَجُزْ ذَاكَ فَلْيُتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ وَلْيُتَّبَعْ بِجَهْدٍ فَإِنَّ الْمَقَامَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ الْآنَ.

(وَ) مِنْ آفَاتِ الرِّجْلِ (الْمَشْيُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ) إذْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ بِلَا إذْنِهِ حَتَّى لَا تَجُوزَ إجَابَةُ دَعْوَةِ مَنْ سَكَنَ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ، وَكَذَا عِيَادَتُهُ (دَارًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ كَرْمًا أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً أَوْ مَكْرُوبَةً) فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ لِلزِّحَامِ فَيَمْشِي فِي الزَّرْعِ لَكِنْ يَتَّقِي وَطْءَ الزَّرْعِ بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَكَذَا مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ كَمَا فِي الْأُسْرُوشَنِيِّ (وَإِنْ) كَانَ (أَرْضًا جُرُزًا) وَهِيَ الْأَرْضُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا وَانْقَطَعَ مَاؤُهَا وَالْمُرَادُ الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ (بِلَا حَائِطٍ) أَيْ جِدَارٍ وَحَرِيمٍ (وَلَا خَنْدَقٍ) مُحِيطٍ لِلْأَرْضِ لِمَنْعِ كُلِّ دَاخِلٍ حَيَوَانًا أَوْ آدَمِيًّا (وَكَانَ الْمُرُورُ لِحَاجَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يُرْجَى الْجَوَازُ) ، وَفِي قَوْلِهِ لِحَاجَةٍ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ الدُّخُولِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ وَمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ بِقَدْرِهَا وَلِذَا جَازَ دُخُولُ بَيْتِ غَيْرِهِ إذَا سَقَطَ مَتَاعُهُ فِيهِ وَخَافَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَهُ مِنْهُ لَأَخْفَاهُ (لِوُجُودِ الْإِذْنِ دَلَالَةً وَعَادَةً) قَيَّدَ بِعَدَمِ الْخَنْدَقِ وَالْحَائِطِ لِمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ حِلِّ الْمُرُورِ حِينَئِذٍ، وَكَذَا النُّزُولُ فِيهَا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ الْمُرُورِ عِنْدَ كَوْنِ الْمَنْعِ مَعْلُومًا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>