بَعْضَ دُنْيَاهُمْ «وَنَعْتَزِلُهُمْ» بِقُلُوبِنَا «بُغْضًا» لِمَا فِيهِمْ مِنْ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ «وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ» أَيْ مُتَمَنَّاهُمْ يَعْنِي يَقُولُونَ نَأْتِي الْأُمَرَاءَ لَأَنْ نَأْخُذَ مِنْ دُنْيَاهُمْ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ ضَرُورَتَنَا فِي مَعَاشِنَا وَلَا نُخَالِطُهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ بَلْ نَعْتَزِلُهُمْ وَنَتْرُكُهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَوْزَارِ فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ مُتَمَنَّاهُمْ أَمْرٌ مُتَعَذِّرٌ، ثُمَّ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ «كَمَا لَا يُجْتَنَى» فِعْلٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَالْأَخْذِ «مِنْ الْقَتَادِ» وَفُسِّرَ بِالشَّجَرِ الْمُسَمَّى بِأُمِّ غَيْلَانَ، كَمَا يُقَالُ فِي الْمِثْلِ هَذَا أَصْعَبُ مِنْ خَرْطِ الْقَتَادِ «إلَّا الشَّوْكَ كَذَلِكَ» أَيْ كَعَدَمِ جَنْيِ غَيْرِ الشَّوْكِ مِنْ الْقَتَادِ «لَا يُجْتَنَى مِنْ قُرْبِهِمْ إلَّا» كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّيَّادِ يَعْنِي) يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُسْتَثْنَى الْمَحْذُوفِ «الْخَطَايَا» وَكَانَ فِي حَذْفِهِ التَّهْوِيلُ أَوْ التَّعْمِيمُ حَاصِلُهُ فَلَا يُجْتَنَى مِنْ مُجَالَسَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ خَيْرٌ دِينِيٌّ لِغَلَبَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ فَالْبُعْدُ عَنْهُمْ سَعْدٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ابْنُ الصِّيَاحِ بَدَلَ الصَّيَّادِ لَعَلَّهُ هُوَ الْأَنْسَبُ وَقَعَ فِي مَجْمُوعَةِ الشَّيْخِ الْوَالِدِ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِغُفْرَانِهِ بِخَطِّهِ كَانَ الْبَيْضَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى مِنْ مَحَلَّةٍ بِشِيرَازَ مُسَمَّاةٍ بِالْبَيْضَاءِ، وَلَمَّا أَجَادَ فِي الْأَدَبِيَّةِ وَاسْتَفَادَ وَأَفَادَ فِي الْعَرَبِيَّةِ ارْتَحَلَ إلَى تَبْرِيزَ لِيُنَصَّبَ مَنْصِبَ الْقُضَاةِ فَلَمَّا طَالَتْ مُدَّةُ مُلَازَمَتِهِ اسْتَشْفَعَ مِنْ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الكحجاني فَقَالَ عِنْدَ إتْيَانِ السُّلْطَانِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَادَتِهِ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ عَالِمٌ فَاضِلٌ مُجْتَهِدٌ كَامِلٌ وَفَقِيرٌ حَقِيرٌ يُرِيدُ الِاشْتِرَاكَ مَعَ الْأَمِيرِ فِي السَّعِيرِ يَعْنِي يَطْلُبُ مِنْكُمْ مِقْدَارَ سَجَّادَةٍ فِي النَّارِ وَهُوَ مَجْلِسُ الْحُكْمِ قَالَ السُّلْطَانُ عَلَى رَأْسِي وَأَمَرَ الْكُتَّابَ فَكَتَبُوهُ وَسَلَّمُوهُ قَضَاءَ فَارِسَ وَالْعِرَاقِ فَلَمَّا ذَهَبَ مِنْ عِنْدِ السُّلْطَانِ تَأَثَّرَ وَبَكَى غَايَةَ الْبُكَاءِ بِتَأْثِيرِ كَلَامِ الْعَارِفِ وَتَرَكَ الْمَنَاصِبَ الْفَانِيَةَ وَاخْتَارَ الْمَنَاصِبَ الْعَالِيَةَ الْبَاقِيَةَ وَلَازَمَ الْخِدْمَةَ وَالْخَلْوَةَ وَالرِّيَاضَةَ التَّامَّةَ حَتَّى ذَاقَ مِنْ كَأْسِ الْعِشْقِ الْإِلَهِيِّ وَسَكِرَ مِنْ شُرْبِ الْوِصَالِ الْحَقِيقِيِّ وَصَنَّفَ تَفْسِيرَهُ بِإِشَارَةِ شَيْخِهِ وَمَاتَ خَلِيفَةً فِي سَجَّادَتِهِ وَدُفِنَ عِنْدَ قَدَمِ شَيْخِهِ (حَدّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (مَرْفُوعًا «مَنْ بَدَا» أَيْ سَكَنَ فِي الْبَادِيَةِ «جَفَا» صَارَ جَافِيًا قَاسِيَ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَاتِ وَمَجْلِسَ الْعُلَمَاءِ وَصُحْبَةَ الصُّلَحَاءِ «وَمَنْ تَبِعَ الصَّيْدَ» بِاعْتِيَادِهِ لَا سِيَّمَا لِلَّهْوِ «غَفَلَ» عَمَّا يَهُمُّهُ فِي أَمْرِ الدِّينِ بَلْ الدُّنْيَا «وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ» بِلَا ضَرُورَةٍ «اُفْتُتِنَ» يَقَعُ فِي الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ عَلَيْهِمْ إمَّا أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى تَجَمُّلِهِمْ فَيَزْدَرِي نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ يُهْمِلَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ مَعَ وُجُوبِهِ فَيَلْزَمَ عَلَيْهِ مَا يَلْزَمُ أَوْ يُنْكِرَ فَيَضِيقُ صُدُورُهُمْ بِإِظْهَارِ ظُلْمِهِمْ وَتَقْبِيحِ فِعْلِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَطْمَعَ فِي دُنْيَاهُمْ وَذَلِكَ هُوَ السُّحْتُ «وَمَا ازْدَادَ عَبْدٌ مِنْ السُّلْطَانِ قُرْبًا إلَّا ازْدَادَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بُعْدًا» فَعَلَى قَدْرِ قُرْبِ السُّلْطَانِ قَدْرُ بُعْدِ الْغُفْرَانِ لِعَدَمِ الْخَلَيَانِ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ وَالطُّغْيَانِ (ت س عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «أُعِيذُك يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي فَمَنْ غَشِيَ» أَيْ جَاءَ وَذَهَبَ «أَبْوَابَهُمْ فَصَدَّقَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ» وَلَوْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ الْمَقْدُورِ وَالتَّحْسِينِ «فَلَيْسَ مِنِّي»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute