للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إثْمٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيدَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالْفُرُوعِ.

أَقُولُ إنْ كَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ الرِّوَايَةِ فَلَا مَجَالَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَإِنْ سُوِّغَ جَانِبُ الدِّرَايَةِ فَيَجُوزُ تَخْفِيفُ عَذَابِ الْكَافِرِ بِتَحَمُّلِ قُوَّةِ بَعْضِ وِزْرِهِ إلَى الْمُسْلِمِ مَثَلًا وَلَا شَكَّ فِي تَفَاوُتِ عَذَابِ الْكُفَّارِ بَلْ ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ تَعْذِيبِ الْمُسْلِمِ لِحَقِّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْحَيَوَانِ مَرَاعِيَ عَلَى وَفْقِ اقْتِضَاءِ طَبِيعَتِهِ وَيَجْعَلَهَا فِي مُقَابَلَةِ حَقِّهِ وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ قُوَّةِ الرِّضَا عَنْهُ بِمُقَابَلَتِهَا وَبِمَا ذُكِرَ يَنْدَفِعُ مَا يَرِدُ أَنَّ الشَّهَادَةَ مَانِعَةٌ مِنْ دُخُولِ النَّارِ وَحُقُوقِ الْكَافِرِ وَالْحَيَوَانِ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ فَكَيْفَ حَالُ مَنْ جُمِعَ فِيهِ هَذَانِ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَ) مِنْ آفَاتِ الرِّجْلِ (إتْلَافُ مَالٍ بِهَا) الظَّاهِرُ وَلَوْ مَالَ نَفْسِهِ لِلسَّرَفِ (وَإِتْيَانُ الظَّلَمَةِ) لِأَنَّ الظُّلْمَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَفْصَحِهَا شَنَاعَةً وَهُوَ سَبَبٌ لِخَرَابِ الْعَالَمِ وَهَلَاكِ الْعِبَادِ وَالْمُلْكُ يَبْقَى مَعَ الْكُفْرِ وَلَا يَبْقَى مَعَ الظُّلْمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ إتْيَانَ الظَّلَمَةِ مَيْلٌ لَهُمْ وَهُوَ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود: ١١٣]- الْآيَةَ قِيلَ لَفْظُ ظَالِمٍ فِي الْقُرْآنِ هُوَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ وَقَوْلُهُ - {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: ٢٢٧]- قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ لَا تَمِيلُوا أَدْنَى الْمَيْلِ كَالتَّزَيِّي بِزِيِّهِمْ وَتَعْظِيمِ ذِكْرِهِمْ فَمَا ظَنُّك بِالْإِتْيَانِ إلَيْهِمْ وَالصُّحْبَةِ مَعَهُمْ وَالْأُلْفَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ بِهِمْ (وَأُمَرَاءِ زَمَانِنَا) ، وَعَنْ سُفْيَانَ فِي جَهَنَّمَ وَادٍ لَا يَسْكُنُهُ إلَّا الْقُرَّاءُ الزَّائِرُونَ الْمُلُوكَ قِيلَ مَنْ دَعَا لِظَالِمٍ بِالْبَقَاءِ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اللَّهُ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ كَمَا فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ عَنْ عُيُونِ التَّفَاسِيرِ وَفِيهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبْغَضُ الْقُرَّاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يَزُورُونَ الْأُمَرَاءَ» ، وَفِي خَبَرٍ آخَرَ «خَيْرُ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يَأْتُونَ الْعُلَمَاءَ وَشَرُّ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَأْتُونَ الْأُمَرَاءَ» .

«الْعُلَمَاءُ أَمُنَاءُ الرُّسُلِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يُخَالِطُوا السُّلْطَانَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ خَانُوا الرُّسُلَ فَاحْذَرُوهُمْ وَاعْتَزِلُوهُمْ» رَوَاهُ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَ حُذَيْفَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إيَّاكُمْ وَمُوَافَقَةَ الْفِتَنِ قِيلَ وَمَا هِيَ قَالَ أَبْوَابُ الْأُمَرَاءِ يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ عَلَى الْأَمِيرِ فَيُصَدِّقُهُ بِالْكَذِبِ وَيَقُولُ مَا لَيْسَ فِيهِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَا مِنْ شَيْءٍ أَبْغَضُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ عَالِمٍ يَزُورُ عَامِلًا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ الرَّجُلَ لَيَدْخُلُ عَلَى السُّلْطَانِ وَمَعَهُ دِينُهُ وَيَخْرُجُ وَلَا دِينَ لَهُ. قِيلَ لَهُ لِمَ؟ قَالَ لِأَنَّهُ يُرْضِيهِ بِسَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ الْفُضَيْلُ مَا ازْدَادَ رَجُلٌ مِنْ ذَوِي سُلْطَانٍ قُرْبًا إلَّا ازْدَادَ مِنْ اللَّهِ بُعْدًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا رَأَيْتُمْ عَالِمًا يَخْتَلِفُ إلَى الْأُمَرَاءِ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لِصٌّ، وَقَالَ مَكْحُولٌ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، ثُمَّ أَتَى بَابَ السُّلْطَانِ تَمَلُّقًا إلَيْهِ وَطَمَعًا بِمَا فِي يَدِهِ خَاضَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ بِعَدَدِ خُطَاهُ.

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ دُخُولُك إلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوك إلَى ثَلَاثٍ: إيثَارُك رِضَاهُمْ وَتَعْظِيمُك دُنْيَاهُمْ وَتَزْكِيَتُك عَمَلَهُمْ، فَإِنْ فَعَلْت هَؤُلَاءِ فَقَدْ هَلَكَتْ مِنْ الْإِحْيَاءِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّاخِلَ عَلَى الْأُمَرَاءِ مُعَرَّضٌ لَأَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ تَعَالَى إمَّا بِفِعْلِهِ أَوْ سُكُوتِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ أَوْ بِاعْتِقَادِهِ، وَقَدْ فُصِّلَ وَوَقَعَ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى سُلْطَانٍ، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهُ وَجَاءَ خَلْوَتَهُ وَدَخَلَ الْخَلَاءَ، وَفِي يَدِهِ شَمْعٌ فَارْتَفَعَ عَنْهُ شَرَارَةُ نَارٍ فَأَحْرَقَتْ لِحْيَتَهُ وَوَجْهَهُ فَخَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ مُسْرِعًا وَهُوَ يُنَادِي - {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: ١١٣]-.

(وَقُضَاتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ " مج " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا أَنَّ «أُنَاسًا مِنْ أُمَّتِي سَيَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَقُولُونَ نَأْتِي الْأُمَرَاءَ فَنُصِيبُ مِنْ دُنْيَاهُمْ»

<<  <  ج: ص:  >  >>