للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ ذَا مَرَحٍ وَهُوَ الِاخْتِيَالُ - {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ} [الإسراء: ٣٧]- لَنْ تَجْعَلَ فِيهَا خَرْقًا لِشِدَّةِ وَطْأَتِك - {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} [الإسراء: ٣٧]- بِتَطَاوُلِك وَهُوَ تَهَكُّمٌ بِالْمُخْتَالِ وَتَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ بِأَنَّ الِاخْتِيَالَ حَمَاقَةٌ مُجَرَّدَةٌ (وَذَمِّ الْمُخْتَالِ) حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: ١٨] (وَالرَّقْصُ أَشَدُّ الْمَرَحِ وَالْبَطَرِ) كَأَنَّهُ يَقُولُ الرَّقْصُ مَرَحٌ وَالْمَرَحُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَوْ يُقَالُ الرَّقْصُ بَطَرٌ وَالْبَطِرُ مُخْتَالٌ وَالْمُخْتَالُ لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْمَرَحِ هُوَ التَّكَبُّرُ ابْتِدَاءً أَوْ التَّحَرُّكُ لِأَجْلِ الْكِبْرِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ - {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ} [الإسراء: ٣٧]- الْآيَةَ، وَالْمُخْتَالُ مُتَبَادِرٌ فِي التَّكَبُّرِ كَيْفَ وَلَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ الِاحْتِمَالِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَا حُجَّةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ كَوْنِ الْمَطْلُوبِ حَرَامًا قَطْعِيًّا وَبِالْجُمْلَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ حَاصِلَ أَثَرٍ فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا يَخْلُو عَنْ الْكَلَامِ.

(وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ) مِنْ الْمَالِكِيَّةِ (حِينَ سُئِلَ عَنْ مَذْهَبِ الصُّوفِيَّةِ أَمَّا الرَّقْصُ وَالتَّوَاجُدُ) إظْهَارُ الْوَجْدِ مَعَ عَدَمِهِ (فَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ أَصْحَابُ السَّامِرِيِّ) مَنْسُوبٌ إلَى قَبِيلَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهَا السَّامِرَةُ وَاسْمُهُ مُوسَى بْنُ ظُفْرٍ وَكَانَ مُنَافِقًا (لَمَّا اتَّخَذَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا) أَيْ اتَّخَذَ السَّامِرِيُّ لِبَنِي إسْرَائِيلَ عِنْدَ ذَهَابِ مُوسَى إلَى مِيعَادِ رَبِّهِ عِجْلًا جَسَدًا مِنْ ذَهَبٍ كَالْعِجْلِ رُوِيَ أَنَّ السَّامِرِيَّ لَمَّا صَاغَ الْعِجْلَ أَلْقَى فِي فَمِ الْعِجْلِ تُرَابًا مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جَبْرَائِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَدْ كَانَ أَخَذَهُ عِنْدَ فَلَقِ الْبَحْرِ أَوْ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ إلَى الطُّورِ فَصَارَ حَيًّا وَقِيلَ صَاغَهُ بِنَوْعٍ مِنْ الْحِيَلِ فَيُدْخِلُ الرِّيحَ فِي جَوْفِهِ فَيُصَوِّتُ (لَهُ خُوَارٌ) صَوْتٌ كَصَوْتِ الْبَقَرِ (قَامُوا) أَيْ أَصْحَابُ السَّامِرِيِّ (يَرْقُصُونَ عَلَيْهِ) فَرَحًا بِهِ (وَيَتَوَاجَدُونَ فَهُوَ) أَيْ الرَّقْصُ (دِينُ الْكُفَّارِ وَعُبَّادِ الْعِجْلِ وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الرَّقْصِ عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.

(الرَّقْصُ فِي السَّمَاعِ) أَيْ فِي حَالَةِ سَمَاعِ الْأَشْعَارِ أَوْ الْأَذْكَارِ أَوْ نَحْوِهِ، وَأَمَّا نَفْسُ السَّمَاعِ فَكَمَا سَمِعْت فِي التَّغَنِّي قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ سَمَاعَ الْأَشْعَارِ بِالْأَلْحَانِ وَالنَّغْمَةِ الْمُسْتَلَذَّةِ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْمُسْتَمِعُ مَحْظُورًا وَلَمْ يَسْمَعْ عَلَى مَذْمُومٍ فِي الشَّرْعِ وَلَمْ يَنْجَرَّ عَلَى مَذْمُومِ هَوَاهُ وَلَمْ يَنْخَرِطْ فِي سِلْكِ لَهْوٍ مُبَاحٌ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَشْعَارَ أُنْشِدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ سَمِعَهَا وَلَمْ يُنْكِرْ، ثُمَّ مَا يُوجِبُ لِلْمُسْتَمِعِ تَوْفِيرَ الرَّغْبَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَتَذَكُّرَ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ مِنْ الدَّرَجَاتِ وَيَحْمِلُهُ عَلَى التَّحَرُّزِ مِنْ الزَّلَّاتِ وَيُؤَدِّي إلَى قَلْبِهِ فِي الْحَالِ صَفَاءَ الْوَارِدَاتِ مُسْتَحَبٌّ فِي الدِّينِ وَمُخْتَارٌ فِي الشَّرْعِ، وَقَدْ جَرَى عَلَى لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الشِّعْرِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ؛ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ حِينَ كَانُوا يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ يَقُولُونَ

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا

فَأَجَابَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ ... فَأَكْرِمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ

وَعَنْ الشِّبْلِيِّ السَّمَاعُ ظَاهِرُهُ فِتْنَةٌ وَبَاطِنُهُ عِبْرَةٌ (لَا يَجُوزُ) بَلْ يَحْرُمُ (وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَقَالَ الْإِمَامُ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوَاهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إنَّ هَذَا الْغِنَاءَ وَضَرْبَ الْقَضِيبِ) أَيْ الْعُودِ عَلَى وَتِيرَةٍ مَخْصُوصَةٍ (وَالرَّقْصَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ) أَيْ كِتَابِ الْقُرْطُبِيِّ (وَسَيِّدُ الطَّائِفَةِ) الصُّوفِيَّةِ (أَحْمَدُ النَّسَوِيُّ) يُقَالُ هُوَ دَاغِسْتَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>