للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمَّنْ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ بِالصُّوفِيَّةِ فَاخْتَصُّوا بِنَوْعٍ لَبِسُوهُ وَاشْتَغَلُوا بِاللَّهْوِ وَالرَّقْصِ وَادَّعَوْا لِأَنْفُسِهِمْ مَنْزِلَةً فَقَدْ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا.

وَفِي النِّصَابِ هَلْ يَجُوزُ الرَّقْصُ فِي السَّمَاعِ؟ الْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَعَنْ الذَّخِيرَةِ وَمَنْ أَبَاحَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ فَذَلِكَ الَّذِي حَرَكَاتُهُ كَحَرَكَاتِ الْمُرْتَعِشِ أَيْ مَا يَكُونُ بِلَا اخْتِيَارٍ وَنُقِلَ عَنْ حَاوِي الْمُنْيَةِ الرَّقْصُ وَضَرْبُ الرِّجْلِ عَلَى الْأَرْضِ وَالْمَشْيُ فِي الذِّكْرِ وَالدَّوَرَانُ كُفْرٌ انْتَهَى لَعَلَّ مُرَادَهُ اسْتِحْلَالُهُ وَاعْتِقَادُ كَوْنِهِ عِبَادَةً، وَعَنْ السُّهْرَوَرْدِيّ وَهُوَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّقَايَا يَقُولُ تَطُوفُ الشَّيَاطِينُ عُرَاةً بِأَطْرَافِ قَوْمٍ يَشْتَغِلُونَ بِالسَّمَاعِ وَالرَّقْصِ وَيَلْعَبُونَ بَيْنَهُمْ وَيَنْفُخُونَ فِي فِيهِمْ فَيَتَوَاجَدُونَ، وَعَنْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ أَنَّهُمْ يَرْقُصُونَ رَقْصَ الْفُجَّارِ وَيَنْهَقُونَ كَالْحِمَارِ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْأَبْرَارِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ مِنْ الْكُفَّارِ، وَعَنْ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي مَوْضِعٍ رُقِصَ فِيهِ حَتَّى يَطْهُرَ أَوْ يُخْرَجَ تُرَابُهُ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُمْ، وَعَنْ الْمَالِكِيِّ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ حَضَرَ بِمَجْلِسِهِمْ لِفِسْقِهِمْ، وَعَنْ الْحَنْبَلِيِّ مَنْ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ كِتَابِ الِاعْتِنَاءِ لِعَلِيٍّ الْقَارِي وَذَكَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ كَلَامًا جَامِعًا لِمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ الْحَصِيرُ الَّذِي رَقَصُوا عَلَيْهِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يُغْسَلَ وَقَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ مَنْ حَضَرَ هَذَا السَّمَاعَ الْمَعْهُودَ يَصِيرُ فَاسِقًا، وَإِنْ اعْتَقَدَ حِلَّهُ صَارَ مُرْتَدًّا وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ يَجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ رَدْعُهُمْ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ إنَّ الشَّاهِدَ إذَا حَضَرَ مَعَهُمْ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَمِثْلُهُ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ وَنُقِلَ عَنْ ابْن الْحَاجِّ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ عَمِلَ فَتْوًى وَمَشَى بِهَا عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَلَفْظُهُ مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرَدُوا عَلَى بَلَدٍ فَقَصَدُوا الْمَسْجِدَ وَشَرَعُوا يُصَفِّقُونَ وَيَرْقُصُونَ فَهَلْ يَجُوزُ فِي الْمَسَاجِدِ شَرْعًا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ يَرْحَمْكُمْ اللَّهُ فَقَالَ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ الْغِنَاءُ لَهْوٌ بَاطِلٌ أَيْ يُشْبِهُ الْبَاطِلَ مَنْ قَالَ بِهِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَقَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ يَجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ زَجْرُهُمْ وَرَدْعُهُمْ وَإِخْرَاجُهُمْ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَحَبْسُهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا حُكْمُهُ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ الْحَصِيرُ الَّتِي يُرْقَصُ عَلَيْهَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى تُغْسَلَ وَالْأَرْضُ الَّتِي يُرْقَصُ عَلَيْهَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى يُحْفَرَ تُرَابُهَا وَيُرْمَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى (قُلْت مَنْ لَهُ إنْصَافٌ) دُونَ تَعَصُّبٍ وَجِدَالٍ (وَدِيَانَةٌ وَاسْتِقَامَةُ طَبْعٍ) فِي فَهْمِ مُقَدِّمَاتِ الْبَرَاهِينِ الْمُنْتِجَةِ لِهَذَا الْمَطْلَبِ وَتَرْتِيبِهَا وَاسْتِلْزَامِهَا لِمَطَالِبِهَا فَيَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ كَوْنُ الْمَطْلُوبِ وُجْدَانِيًّا بَلْ إقْنَاعِيًّا وَالْمَقَامُ تَحْقِيقِيٌّ بُرْهَانِيٌّ كَيْفَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ يَقْتَضِي إلْزَامَ الْمُخَالِفِ طَوْعًا وَكَرْهًا فَافْهَمْ (إذَا رَأَى رَقْصَ صُوفِيَّةِ زَمَانِنَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالدَّعَوَاتِ بِأَلْحَانٍ وَنَغَمَاتٍ) بَعْضِ (صُوفِيَّةِ زَمَانِنَا) أَيْ فِي دِيَارِنَا عِيَانًا، وَفِي الدِّيَارِ الْأُخَرِ سَمْعًا بِالشُّهْرَةِ بَلْ بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِأَخْبَارِ ثِقَةِ الْآحَادِ فَيَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ سُوءُ ظَنٍّ بِالْمُسْلِمِ، وَالْكُلُّ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الظَّنِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حَالَ كُلِّ صُوفِيَّةِ الزَّمَانِ (فِي الْمَسَاجِدِ وَالدَّعَوَاتِ) الْأَوْلَى لِلسِّبَاقِ وَالسِّيَاقِ وَالْمُطَابَقَةِ بِالشُّيُوعِ وَالْأَغْلَبُ أَنْ يُقَالَ الْأَذْكَارُ بَدَلَ الدَّعَوَاتِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِالذِّكْرِ أَوْ يُرَادَ عُمُومُ الْمَجَازِ (بِأَلْحَانٍ وَنَغَمَاتٍ) جَمْعُ نَغْمَةٍ أَيْ جَرْسِ الْكَلَامِ (مُخْتَلِطًا بِهِمْ الْمُرْدُ) جَمْعُ أَمْرَدَ (وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْعُرْيِ) مِنْ الْفَسَقَةِ (مِنْ جُهَّالِ الْعَوَامّ وَالْمُبْتَدِعَةِ الطَّغَامِ) جَمْعُ طَغَامَةٍ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى ضَعِيفِ الرَّأْيِ وَقِيلَ بِمَعْنَى الْأَرْذَلِ (لَا يَعْرِفُونَ الطَّهَارَةَ وَالْقُرْآنَ وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ بَلْ لَا يَعْرِفُونَ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ لَهُمْ زَعِيقٌ) أَيْ صَيْحَةٌ (وَزَئِيرٌ) صَوْتُ الْأَسَدِ أَوْ صَوْتُ الْحَمِيرِ (وَنُهَاقٌ) بِالضَّمِّ أَيْ صَوْتٌ كَصَوْتِ الْحِمَارِ (يُشْبِهُ نُهَاقَ الْحَمِيرِ يُبَدِّلُونَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى) يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ بِالْأَلْحَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>