للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُغَيِّرُونَ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِمْ) مَعَ أَنَّ التَّغْيِيرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ حِينَ الْقُدْرَةِ (بَلْ يَخَافُونَ مِنْهُمْ) مِنْ إنْكَارِهِمْ وَدُعَائِهِمْ عَلَيْهِمْ لِاعْتِقَادِهِمْ مِنْهُمْ الْكَرَامَةُ وَالْوِلَايَةُ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ وَأَعْدَاءُ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ (وَ) لِذَلِكَ (يَلْتَمِسُونَ الدُّعَاءَ) مِنْهُمْ فَضْلًا عَنْ الزَّجْرِ وَالْإِنْكَارِ بَلْ يُرِيدُونَ تَقَرُّبَهُمْ بِالْعَطَايَا وَالْهَدَايَا وَالزِّيَارَاتِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالْإِحْسَانِ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ وَقَدْ نُقِلَ أَيْضًا عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ وَنُوَّابِهِ إخْرَاجُهُمْ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَحْضُرَهُمْ وَيُعِينَهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَحِينَ اسْتَفْتَى مِنْ شَيْخِ الْأَخْلَافِ جوي زاده أَفْتَى أَنَّ الرَّقْصَ وَالدَّوَرَانَ حَرَامٌ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَحُرْمَتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ بِالِاتِّفَاقِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ الصَّالِحَ اسْتَدَلَّ عَلَى إبَاحَةِ الرَّقْصِ بِوُجُوهٍ اعْتِرَاضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٩١] فَإِنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالرَّقْصُ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ أَقُولُ أَوَّلًا لَسْنَا مَأْمُورِينَ بِاتِّبَاعِ الْمُفَسِّرِينَ بَلْ مَأْمُورِينَ بِاتِّبَاعِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ عَرَفْت أَقْوَالَهُمْ وَثَانِيًا كُلُّ الْحَالِ لَوْ أُرِيدَ عَلَى إطْلَاقِهِ يَشْمَلُ حَالَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالْهَذَيَانَاتِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِكُفْرِهِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: ٧٥] الْآيَةَ فَإِنَّ دَوَرَانَ الصُّوفِيَّةِ وَرَقْصَهُمْ شَبِيهٌ بِالْمَلَائِكَةِ الْحَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ وَالْحُجَّاجِ الطَّائِفِينَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ أَقُولُ إنَّهُ قِيَاسُ شَاهِدٍ عَلَى غَائِبٍ، وَرَأْيٌ فِي مُقَابَلَةِ نَصٍّ قَطْعِيٍّ كَمَا عَرَفْت وَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالنُّصُوصِ سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْخَفِيِّ وَالْمُجْتَهَدِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُجْتَهِدِينَ وَأَنَّ مَدَارَ الْقِيَاسِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ يَصْلُحُ لِذَلِكَ بَلْ تَعَبُّدِيٌّ مَحْضٌ وَأَنَّ دَوَرَانَ الْمَلَائِكَةِ لَوْ سَلِمَ انْفِهَامُهُ مِنْ تِلْكَ الْآيَةِ وَدَوَرَانَ الْحُجَّاجِ خَارِجٌ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَ الْحُجَّاجِ عِبَادَةٌ مَخْصُوصَةٌ بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ عِبَادَةً فِي غَيْرِهِ. أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ طَافَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ يَنْوِي بِهِ الْكَعْبَةَ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرَ انْتَهَى وَأَنَا أَقُولُ لَوْلَا خَشْيَةُ تَفْصِيلِ الْبَاطِلِ بِلَا ضَرُورَةٍ لَحَكَيْت بَاقِيَ أَبَاطِيلِهِ مَعَ بَيَانِ وَجْهِ بُطْلَانِهِ (نَعَمْ) هَذَا دَفْعُ وَهْمٍ نَاشِئٍ مِمَّا سَبَقَ (الذِّكْرُ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جَنُوبِهِمْ جَائِزٌ إذَا كَانَ بِأَدَبٍ وَسُكُونِ أَعْضَاءٍ بِلَا لَحْنٍ وَلَا تَغَنٍّ) ، وَأَمَّا الْجَهْرُ بِالذِّكْرِ فَمَنَعَهُ بَعْضٌ وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ لَكِنَّ حَاصِلَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْجَوَازِ وَتَأْوِيلُ جَانِبِ الْمُخَالِفِ مِنْ الْأَثَرِ، وَأَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ وَحَاصِلُ رِسَالَةِ أَبِي السُّعُودِ هُوَ التَّجْوِيزُ وَالتَّفْضِيلُ مُطْلَقًا وَقَدْ بَسَطْنَا أَدِلَّةَ الطَّرَفَيْنِ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّرْجِيحِ فِي رِسَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِجَوَازِ الْجَهْرِ.

(وَأَمَّا تَحْرِيكُ الرَّأْسِ فَقَطْ يَمْنَةً وَيَسْرَةً تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَالظَّنُّ الْغَالِبُ جَوَازُهُ بَلْ اسْتِحْبَابُهُ إذَا كَانَ مَعَ النِّيَّةِ الْخَالِصَةِ الصَّالِحَةِ فَيَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْعَبَثِ وَاللَّعِبِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبَثَ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَالتَّحْقِيقُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ (فَيَكُونُ) ذَلِكَ التَّحْرِيكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>