وَاقِعٌ قَبْلَ النَّهْيِ أَوْ فَعَلَهُ لِبَيَانِ أَصْلِ الْجَوَازِ، وَبَعْضٌ: الْمَنْعُ عِنْدَ قَصْدِ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَالنِّسَاءِ أَوْ التَّكَبُّرِ وَالْجَوَازِ عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ، وَبَعْضٌ: الْمَنْعُ لِتَنَجُّسِ الصَّبْغِ وَالْجَوَازُ بَعْدَ إزَالَتِهِ بِالْغَسْلِ وَرُدَّا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثِ الْحَسَنِ.
ثُمَّ أَقُولُ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ لُبْسَ الْأَحْمَرِ جَائِزٌ قَطْعِيٌّ بَلْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ جَائِزٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَرْدُودٌ لِعَدَمِ دَلِيلِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ انْتِفَاءِ عِلَّتِهِ، إذْ الْكَرَاهَةُ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ أَوْ التَّكَبُّرِ فَإِذَا انْتَفَيَا بِلُبْسِهِ عَلَى قَصْدِ إظْهَارِ نِعَمِهِ تَعَالَى تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ لِمَا فِي أَكْمَلِ الْمَشَارِقِ مِنْ أَنَّ لُبْسَ الْمُعَصْفَرِ جَائِزٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا عَنْ النَّوَوِيِّ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ وَأَيْضًا نَصَّ عَلَى جَوَازِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْمُجْتَبَى وَالْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ وَمُنْتَخَبُ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى، وَفِي الرَّوْضَةِ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ بِلَا كَرَاهَةٍ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ أَيْضًا مِنْ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] الْآيَةَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ لَيْسَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِنَوْعٍ فَيَشْمَلُ كُلَّ لَوْنٍ وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ لُبْسِ الْأَحْمَرِ إنْ قَبْلَ الْآيَةِ فَتَنْسَخُهُ الْآيَةُ، وَإِنْ بَعْدَهَا فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا لَهَا فَبَقِيَتْ عَلَى عُمُومِهَا وَهُوَ قَطْعِيٌّ وَمِنْ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ كَمَا مَرَّ وَالتَّأْوِيلُ بِالْخُطُوطِ غَلَطٌ وَمَحْمَلُ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ الْكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى عَارِضِ التَّشَبُّهِ أَوْ التَّكَبُّرِ فَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِانْتِفَاءِ الْعَارِضِ وَبِهِ يَتَرَقَّى عَنْ مَرْتَبَةِ الْإِبَاحَةِ إلَى مَرْتَبَةِ الِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ لُبْسِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ وَصَلَاتِهِ بِهَا إمَامًا وَاقْتِدَاءِ الصَّحَابَةِ بِهِ فَتَخْلُصُ الْأُمَّةُ مِنْ نِسْبَةِ لَابِسِ الْأَحْمَرِ إلَى ارْتِكَابِ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ إنْ أَرَادَ مِنْ عَدَمِ الدَّلِيلِ فِي قَوْلِهِ فَمَرْدُودٌ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَدَمَهُ مِنْ أَقْوَالِ الْمَشَايِخِ وَالسَّلَفِ فَمَمْنُوعٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ تُحْفَةِ الْمُلُوكِ، وَإِنْ عَدَمَهُ مِنْ النُّصُوصِ فَقَدْ سَمِعْت الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ أَكِيدَةَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَنْعِ الظَّاهِرَةَ فِي الْحُرْمَةِ، وَالنُّصُوصُ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا، وَقَدْ قَالَ فِي الْفَيْضِ عِنْدَ حَدِيثِ الْحُمْرَةِ مِنْ زِينَةِ الشَّيْطَانِ تَعَلَّقَ بِهَذَا مَنْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ وَلِلسَّلَفِ فِيهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: الْجَوَازُ الْمُطْلَقُ.
الثَّانِي: الْمَنْعُ مُطْلَقًا.
الثَّالِثُ: حُرْمَةُ الْمُشَبَّعِ بِالْحُمْرَةِ وَحِلُّ مَا خَفَّ.
الرَّابِعُ: الْكَرَاهَةُ بِقَصْدِ الزِّينَةِ وَالشُّهْرَةِ وَالْجَوَازُ فِي الْبُيُوتِ.
الْخَامِسُ: جَوَازُ لُبْسِ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ.
السَّادِسُ حُرْمَةُ مَا صُبِغَ بِالْعُصْفُرِ دُونَ غَيْرِهِ.
السَّابِعُ حُرْمَةُ مَا صُبِغَ كُلُّهُ دُونَ مَا فِيهِ لَوْنٌ آخَرُ وَقَوْلُهُ إذْ الْكَرَاهَةُ لِلتَّشَبُّهِ يَرُدُّهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ لَا سِيَّمَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ عَلَيَّ بِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فَانْتَظِرْ جَوَابَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الزِّينَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامَّةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ مُخَصَّصٌ بِنَحْوِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِالْقَطْعِيِّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالظَّنِّيِّ، ثَانِيًا فَالْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ تُخَصِّصُهَا وَإِنْ كَانَتْ أَخْبَارَ آحَادٍ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الزِّينَةِ مُجْمَلًا فَيُفَسِّرُهُ الْأَحَادِيثُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ فَيَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ بَعْدَهَا فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقْيِيدِ التَّخْصِيصُ فَقَدْ عَرَفْت جَوَازَهُ، وَإِنْ تَقَيَّدَ الْمُطْلَقُ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ تَحَمُّلِ عِبَارَتِهِ لِذَلِكَ فَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَشْهُورَةَ الْمَعَانِي وَإِنْ آحَادَ اللَّفْظِ فَيَجُوزُ التَّقْيِيدُ وَالزِّيَادَةُ لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ، عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ التَّارِيخُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَارَنَةِ فَافْهَمْ.
وَقَوْلُهُ وَتَأْوِيلُهُ الْحُلَّةَ بِالْخُطُوطِ غَلَطٌ مَمْنُوعٌ أَيْضًا بِسَنَدِ مَا قَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ إنَّ هَذَا الِاسْمَ مَعْرُوفٌ بِمَا يَكُونُ بِالْخُطُوطِ. عَلَى أَنَّ ضَرُورَةَ تَوْفِيقِ النُّصُوصِ مُوجِبٌ لِنَحْوِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ مَحْمَلُ مَا ذُكِرَ قَدْ عَرَفْت جَوَابَهُ مِنْ نَصِّ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ آنِفًا وَقَوْلُهُ يَتَرَقَّى إلَى مَرْتَبَةِ الِاسْتِحْبَابِ مَمْنُوعٌ بِمَا فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَاجِحٌ عَلَى فِعْلِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ، وَقَدْ يَفْعَلُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا يَكُونُ مَكْرُوهًا لِأُمَّتِهِ تَعْلِيمًا لِأَصْلِ الْجَوَازِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْخَوَاصِّ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِدَلَالَةِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ فِي الْمَنْعِ. كَيْفَ يَكُونُ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُسْتَحَبًّا، وَقَدْ قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ اخْتِصَاصُهُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ صِفَتُهُ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ مَثَلًا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ عَلَى مُخْتَارِنَا.
ثُمَّ أَقُولُ